الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: كُلُّ هَدْيٍ وَاجِبٍ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ، وَلِإِسَاءَةٍ كَانَتْ مِنْ مُهْدِيهِ أُوجِبَ ذَلِكَ الْهَدْيُ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَكَهَدْيِ الْقِرَانِ، وَكَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَكُلُّ هَدْيٍ مِنْ هَدَايَا التَّطَوُّعِ لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَكُلُّ هَدْيٍ يَكُونُ كَفَّارَةً لِإِسَاءَةٍ كَانَتْ مِنْ مُهْدِيهِ، أَوْجَبَتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْهَدْيَ فِي الْإِحْرَامِ، وَعَنْ تَرْكِ بَعْضِ الْمَنَاسِكِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى تَارِكِهَا الدِّمَاءُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُم أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يِوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: يُؤْكَلُ مِنَ الْهَدَايَا كُلِّهَا إِلَّا جَزَاءَ الصَّيْدِ، وَنُسُكَ الْأَذَى، وَنَذْرَ الْمَسَاكِينَ، وَهَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا قَصَرَ عَنْ بُلُوغِ مَحِلَّهُ، وَعَطِبَ دُونَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَا كَانَ
مِنَ الْهَدَايَا الْمُتَطَوَّعِ بِهَا فَلِمُهْدِيهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَمَا كَانَ مِنَ الْهَدَايَا عَنِ الْإِسَاءَاتِ، وَعَنِ التَّمَتُّعِ، وَعَن الْقرَان، وَعَن قتل الصَّيْد، وَعَما سوى ذَلِك مِمَّا يُصِيبهُ الْمحرم فِي إِحْرَامه، فَإِنَّهُ لَيْسَ لمن أهْدى تِلْكَ الْهَدَايَا، أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرْنَا فِي ظَاهِرِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَلَوْنَا، فَكَانَ الظَّاهِرُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} ، الْأَكْلَ مِنْ جَمِيعِ الْهَدَايَا، إِذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي ذَلِكَ خَاصٌّ مِنَ الْهَدَايَا، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُ الْآيَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُهَا كَظَاهِرِهَا فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ مَحِلَّهُ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لِمُهْدِيهِ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مِمَّا قَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ أَنَّ مُهْدِي ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْهَدَايَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي كِتَابِنَا هَذَا فَالْتَمَسْنَا الْوَجْهَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، مِنَ السُّنَّةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْنَا:
١٧٤٣ - أَبَا أُمَيَّةَ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute