للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِمَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: " إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ " وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِحْرَامَهُ كَانَ بِعُمْرَةٍ أَرَادَ بِهَا مُتْعَةً، وَسَاقَ لَهَا الْهَدْيَ، فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنَ الإِحْلالِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَبَيْنَ الْحَجَّةِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ حَفِظَتْهُ عَنْهُ حَفْصَةُ ابْنَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَحْفَظْهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي حَكَاهُ جَابِرٌ عَنْهُ

مَا رَآهُ مِنْ ظَاهِرِ فعِلْهِ، وَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ مِمَّا كَانَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْحَجِّ، لَا عَلَى الْعُمْرَةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ يَعْرِفُهَا جَابِرٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ الْمَحْكِيُّ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَحْدَاثِ حُكْمِ الْعُمْرَةِ أَوْلَى مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا وَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي كَانَ سَاقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ مَنَعَهُ مِنَ الإِحْلالِ الَّذِي قَدْ كَانَ أَحَلَّهُ غَيْرُهُ بَيْنَ الإِحْرَامِ الأَوَّلِ، وَبَيْنَ الإِحْرَامِ الثَّانِي اللَّذَيْنِ كَانَا مِنْهُ، وَكَانَ هَدْيُ التَّطَوُّعِ غَيْرَ مَانِعٍ أَحَدًا مِنَ الإِحْلالِ الَّذِي كَانَ يَحِلُّهُ لَوْ لَمْ يَسُقْ هَدْيًا، ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَأَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي أَهْدَاهُ كَانَ أَوْ بَعْضُهُ عَنْ مُتْعَةٍ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِمَّا كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَهْدَاهُ مَعَهُ، قَدْ وَجَدْنَا التَّطَوُّعَ مِنَ الْهَدَايَا إِنَّمَا يَبْعَثُ بِهِ صَاحِبُهُ، فَيَكُونُ بِبَعْثِهِ بِهِ مُوجِبًا لَهُ تَطَوُّعًا، وَيَكُونُ الْهَدْيُ بِذَلِكَ قَدْ وَجَبَ فِي عَيْنِهِ، فَكَانَ مَعْنَى التَّطَوُّعِ مَا أَوْجَبَهُ صَاحِبُهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَصَارَ وَاجِبًا، فَلَمْ يُمْنَعْ مُوجِبُهُ مِنَ الأَكْلِ مِنْهُ لِوُجُوبِهِ هَدْيًا وَكَانَ الْهَدْيُ عَنِ النَّذْرِ، وَالْهَدْيُ عَنِ الصَّيْدِ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُمَا وَكَانَ الاخْتِلافُ بَيْنَهُمْ فِي هَدْيِ الْقِرَانِ، وَهَدْيِ الْمُتْعَةِ، وَهَدْيِ الْجِمَاعِ، أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا أَمْ لَا؟ فَكَانَ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَهَدْيُ الْقِرَانِ بِهَدْيِ التَّطَوُّعِ أَشْبَهَ مِنْهُمَا بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْهَدَايَا، إِذْ كَانَ هَذَانِ الْهَدْيَانِ إِنَّمَا يَجِبَانِ بِأَفْعَالٍ غَيْرِ مَنْهِيٍّ عَنْهَا كَالْهَدْيِ عَنِ التَّطَوُّعِ الَّذِي يَصِيرُ هَدْيًا،

وَيَجِبُ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَهَدْيِ النَّذْرِ، لأَنَّ هَدْيَ النَّذْرِ إِنَّمَا يَكُونُ شُكْرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>