وَعَلَى أَيِّ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ مُرَادُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا، فَلَمْ يُخْرِجْ ذَلِكَ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَفِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وُجُوبُ حُرْمَةِ ذَلِكَ عَلَى مُهْدِيهِ، إِذْ كَانَتِ الْقُرَبُ الْمُبَاحُ أَكْلُهَا كَالضَّحَايَا وَمَا أَشْبَهَهَا، غَيْرَ مَمْنُوعٍ مَنْ تَقَرَّبَ بِهَا مِنْ أَكْلِهَا، وَغَيْرَ مَمْنُوعٍ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ مَنْعُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُؤَيْبًا مِنْ أَكْلِهَا عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِهَا عَلَى مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ مُهْدِيهَا، وَلا مِنْ غَيْرِهِمْ فَثَبَتَ بِذَلِكَ مَا رُوِّينَا فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَبِذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُونَ وَحَدِيثُ ذُؤَيْبٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا دَارَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَفِي قَوْلِهِ ذَلِكَ، وَفِي قَوْلِهِ لِسَائِلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ: " عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ "، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِخِبْرَتِهِ الَّتِي قَدْ عَلِمَهَا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ مُهْدِيهِ وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُؤَيْبًا وَأَهْلَ رِفْقَتِهِ مِنْ أَكْلِهَا، وَأَمْرَهُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ سِوَاهُمْ وَبَيْنَهَا، أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَعْجَلُوا عَلَيْهَا فَيَقْطَعُوهَا بَعْدَ نَحْرِهَا قَبْلَ مَوْتِهَا، فَأَرَادَ نَهْيَهُمْ عَنْهَا أَنْ تُتْرَكَ حَتَّى تَمُوتَ قَبْلَ أَنْ تُقْطَعَ فَهَذَا تَأْوِيلٌ عِنْدَنَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لأَنَّهُ غَيْرُ مَوْهُومٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ هَذَا، وَقَدْ عَلِمُوا سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَلا سِيَّمَا مَنْ قَدْ رَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضَعَ أَمَانَةٍ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَعَلى سَوْقِ هَدْيِهِ
، وَعَلَى نَحْرِهِ، وَعَلَى بُلُوغِ مَحِلَّهُ، وَعَلَى مَوْطِنِ نَحْرِهِ، وَعَلَى مَوْضِعِ لَحْمِهِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجِبُ وَضْعُهُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا لَهُمْ أَكْلُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ لَهُمْ وَلَقَدْ كَانَ أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَمُوتَ، لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ تَقْطِيعُهُمْ إِيَّاهَا قَبْلَ مَوْتِهَا مَوْهُومًا مِنْهُمْ فِيهَا قَبْلَ بُلُوغِ مَحِلِّهَا، لَكَانَ مَوْهُومًا مِنْهُمْ فِيهَا بَعْدَ بُلُوغِ مَحِلِّهَا، وَلَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ نَهْيًا وَاحِدًا وَفِي قَصْدِهِ بِنَهْيِهِمْ عَنْ ذَلِكَ إِلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فِي الْمَعْنَى الآخَرِ بِخِلافِ ذَلِكَ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ مَنْعِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُؤَيْبًا الْخُزَاعِيَّ مِمَّا مَنَعَهُ، وَاحِدٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ الأَوَّلَيْنِ وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ مَذْهَبَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَائِرُ أَهْلِ الرُّفْقَةِ كَانُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ مِنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute