فَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ سُورَة النُّور آيَة إِلَى الْمَوَالِي الْمُكَاتِبِينَ خَاصَّةً دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا، فَحَضَّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَعَلَى مُعَاوَنَةِ الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مُكَاتَبَاتِهِمْ لِكَيْ يُعْتَقُوا وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَذْهَبُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى كَمَا
٢٠٧٣ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ " {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ، قَالَ: هِيَ شَيْءٌ حَثَّ النَّاسَ عَلَيْهِ " قِيلَ لِسُفْيَانَ: الْمَوْلَى وَغَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالنَّظَرُ مِنْ بَعْدِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا وَاجِبَ عَلَى الْمَوْلَى لِمُكَاتَبِهِ إِسْقَاطَ شَيْءٍ مِمَّا كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، وَلا تَمْلِيكَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ سِوَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْمُكَاتَبَةَ لَا تَجُوزُ إِلا عَلَى مِقْدَارٍ مِنَ الْمَالِ مَعْلُومٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ فُسِخَتِ الْمُكَاتَبَةُ وَأُمِرَ بِتَرْكِهَا، وَلَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُضِيِّ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ جَازَتِ الْمُكَاتَبَةُ بَيْنَهُمَا، وَأُمِرَا بِإِمْضَائِهَا عَلَيْهِمَا، وَوَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إِعَانَةُ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ وَلَوْ كَانَتِ الْمُكَاتَبَةُ إِذَا عُقِدَتْ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ وَجَبَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْضُ ذَلِكَ الْمَالِ عَلَى مَوْلاهُ الَّذِي كَاتَبَهُ عَلَيْهِ، كَانَ مَا وَجَبَ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَوْلَى مِنْهُ سَاقِطًا مِنَ الْمُكَاتَبَةِ، فَكَانَ كَمَا لَمْ يُسَمَّ فِيهَا، وَكَمَا لَمْ يُعْقَدْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لَمَّا كَانَ جَمِيعُ الْمُكَاتَبَةِ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ وَطَائِفَةٌ مِثْلُ بَعْضِ تِلْكَ الْمُكَاتَبَةِ لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْمَوْلَى، كَانَتْ كَتِلْكَ الطَّائِفَةِ سَاقِطَةً عَنِ الْمُكَاتَبِ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وكَانَ الْوَاجِبُ بِعَقْدِ الْمُكَاتَبَةِ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ هُوَ الْبَاقِي بَعْدَهَا، وَالْبَاقِي بَعْدَهَا مَجْهُولٌ، لأَنَّ الْحَطِيطَةَ لَمَّا كَانَتْ لَا مِقْدَارَ لَهَا مَعْلُومٌ فِي قَوْلِ مَنْ يُوجِبُهَا، كَانَ الْبَاقِي بَعْدَهَا مِنَ الْمُكَاتَبَةِ الْمَعْلُومَةِ مَجْهُولا فَفِي تَثْبِيتِهِمْ عَقْدَ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَعْلُومِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا هُوَ
جَمِيعُ مَا عُقِدَتْ عَلَيْهِ، لَا حَطِيطَةَ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُونَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute