الحديث ورجاله، كما التقى غيرهما من الأعلام البارزين في فنون مختلفة، مما جعل ثقافة الشيخ ثقافة موسوعية متعددة الروافد.
أما الرحلة الأخرى: فقد كانت إِلى البصرة، من أرض العراق، وكان في عزمه أن يواصل السفر إِلى بغداد، والشام؛ للاتصال بعلمائهما، والتزود من علمهم، ولكن حال دون ذلك أمران:
الأول: قلة المال لديه، وقد كان مجبولا على التعفف الذي يمنعه من أن يسأل الناس شيئا.
والثاني: وهو -الأهم- ما رآه في البصرة من انتشار البدع، وذيوع عبادة القبور، والتوسل بالأولياء، والتقرب إِليهم بالذبح والنذر، واعتقاد النفع والضر منهم، الأمر الذي أثار حفيظته، وأشعل نيران الغيرة على التوحيد في نفسه، فراح ينكر ذلك بكل ما أوتي من قوة، حتى ذاع صيته، وانتشر أمره، وسرعان ما ائتمر به أهل البدع، واتفقوا على أذيته، وتواطؤوا على الإِيقاع به، فما كان منه إِلا أن غادر البصرة على الفور؛ خوفا على دعوته الإِصلاحية أن توأد في مهدها، ولعله يجد في مكان آخر من يعزره، ويؤازره، حتى إِذا استوت دعوته على سوقها، عرف الناس الحق، والتفوا حوله١. ولهذين السببين قفل الشيخ راجعا من البصرة إِلى نجد، وفي الطريقِ نزل على عالم الأحساء الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وأقام عنده أياما
١ أمير السعيد: سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ص ١٩ طبع دارة الملك عبد العزيز عام ١٣٩٥هـ.