استحضر ما يتصل بالوثيقة من أخبار السيرة النبوية، مثل فتح خيبر، وعلاقة النبي صلى الله عليه وسلم باليهود، وأخبار الصحابة خاصة تواريخ وفياتهم وزمن إسلامهم وحضورهم الغزوات والمشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، واستحضر أيضا أحكام الجزية في الإسلام فظهر له أن الوثيقة مجافية لجميع ذلك، فهي شاذة عن التوجه العام للمجتمع الإسلامي في عهد النبوة. وزاد ابن قيم الجوزية في العناصر المعتدّ بها، في قوله:" ... إن الجزية لم تكن نزلت حينئذ ولا يعرفها الصحابة ولا العرب، وإنما نزلت بعد عام تبوك... إن فيه " وضع عنهم الكلف والسخر" ولم يكن في زمانه كلف ولا سخر ولا مكوس... إن أهل خيبر لم يتقدم لهم من الإحسان ما يوجب وضع الجزية عنهم، فإنهم حاربوا الله ورسوله وقاتلوا أصحابه، وسَلُّوا السيوف في وجوههم، وَسَمُّوا النبي صلى الله عليه وسلم، وآووا أعداءه... إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقطها عن الأبعدين مع عدم معاداتهم له كأهل اليمن... ليس في الصحابة رجل واحد قال: لا تجب الجزية على الخيبرية"(١) . فانظر: كيف يتحرك نظره رحمه الله خارج الوثيقة، وكيف ينتقل بين الأخبار المختلفة والحوادث المتنوعة، فينظر في الوثيقة مع اتساع نظره لينتشر خارجها ويستوعب كل ما يتصل بها، ويحتف بها من أخبار السيرة وأحكام الإسلام وشرائعه المتصلة بمضمون الوثيقة، وهي أحكام الجزية وعلاقة المسلمين بأهل الكتاب عامة واليهود خاصة. ومن أمثلة ذلك أيضاً: ما فعله الإمامان أبو الفتح بن سيد الناس وشمس الدين الذهبي في فحص خبر بحيرى الراهب وهو عن أَبِي مُوسَى الأشعري. قَالَ: خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا