للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمروا علي حبشياً لسمعت وأطعت (١) . ورواية أخرى أوردها الحافظ ابن حجر وعزاها إلى أبي الحسن بن جدلم في فوائده عن عبد الله بن الصامت قال: "دخلت مع أبي ذر على عثمان فحسر عن رأسه فقال: والله ما أنا منهم، يعني الخوارج. فقال: إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة، فقال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي بالربذة. قال نعم." (٢) ورواية أخرى أوردها الشيخ محب الدين الخطيب في تعليقه على كتاب "العواصم من القواصم" لابن العربي، وعزاها إلى القاضي أبي الوليد بن خلدون وهي أن أبا ذر استأذن عثمان في الخروج من المدينة وقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعاً، فأذن له ونزل الربذة وبنى بها مسجداً، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل، وأعطاه مملوكين، وأجرى عليه رزقاً، وكان يتعاهد المدينة". (٣) وإن أيَّ مؤرخ محقق يريد أن يسجل في تاريخه خروج أبي ذر إلى الربذة وسببه، يفترض فيه أن يضع هذه الروايات جميعاً بين يديه، فينظر فيها على الاجتماع ثم يرجح ما تؤيده الشواهد بحسب الاعتبارات الأخرى. ومن اكتفى برواية دون غيرها، وأغفل الروايات المعارضة، فمثله مثل القاضي الذي استمع إلى شهادة شاهد واحد، وتجاهل أمثاله من الشهود الذين يخالفونه في شهادته.

ويجب التنبيه هنا على أن المعارضة قد تكون صريحة، كما في هذه الروايات في خروج أبي ذر إلى الربذة، وقد تكون غير صريحة، كأن يكون


(١) البخاري: كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز.
(٢) "فتح الباري" ٣/٢٧٤.
(٣) " العواصم من القواصم" ص: ٨٨، تعليق رقم ٩٢، وانظر " حلية الأولياء" ١ / ١٦٠.

<<  <   >  >>