نفي ذلك أو إثباته في جانب الله عز وجل بدعة في الشرع. ذلك لأن إطلاق لفظ الجسم في حق الله عز وجل من الألفاظ التي لم ترد في الشرع والتي تحتمل حقاً وباطلاً، وما كان هذا شأنه فالأولى التوقف عنه وعدم إطلاقه في حق الله عز وجل نفياً أو إثباتاً؛ لأنه قد ينفيه عنه قوم: ليتوصلوا بنفيه إلى نفي ما أثبته الله تعالى ورسوله كالجهمية والمعتزلة ينفون الجسم حتى يتوهم المسلمون أن قصدهم التنزيه ومقصودهم بذلك أن الله لا يرى في الآخرة وأنه لم يتكلم بالقرآن ولا غيره وإنما خلق كلاماً. ولذلك احتج أبو عيسى محمد بن عيسى بن برغوث على الإمام أحمد لما ناظره في القرآن وأن كلام الله غير مخلوق قال ابن برغوث: إذا كان غير مخلوق لزم أن يكون الله جسماً وهذا منتف: فلم يوافقه الإمام أحمد لا على نفي ذلك ولا على إثباته بل قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} ونبه – رحمه الله – على أن هذا اللفظ لا يدري ما يريدون به، وإذا لم يعرف مراد المتكلم به لم يوافق، لا على إثباته ولا على نفيه. وقد يثبته قوم: ومرادهم أن يتوصلوا بإثباته إلى إثبات ما نفاه الله ورسوله من اتصافه بالنقائص ومماثلته للمخلوقات. والخلاصة: أن ما كان هذا سبيله من الألفاظ المحتملة التي لم يرد بها الشرع لا تثبت ولا تنفى إلا بعد الاستفسار عن معانيها، فإن وجدت معانيها مما أثبته الرب لنفسه أثبتت، وإن وجدت مما نفاه عن نفسه نفيت، وإن وجدنا اللفظ أثبت به حق وباطل أو نفي به حق وباطل، أو كان مجملاً يراد به حق أو باطل وصاحبه أراد به بعضها لكنه عند الإطلاق يوهم الناس ويفهمهم ما أراد وغير ما أراد فهذه الألفاظ لا يطلق نفيها ولا إثباتها كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة ونحو ذلك. انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٥/ ٤٢٩ – ٤٣٤، وتلبيس الجهمية ٢/ ٤٧، وتفسير سورة الاخلاص ص٩٢، ٩٧، ١٠٥ – ١٠٦ بتصرف.