ثم ذكر ابن حزم أن الذي حمل الأشاعرة على القول بذلك قولهم: أن الروح عرض والعرض يفني أبدا ويحدث ولا يبقى وقتين، فروح النبي صلى الله عليه وسلم عندهم قد فنيت وبطلت ولا روح له الآن عند الله تعالى وأما جسده ففي قبره موات فبطلت نبوته بذلك ورسالته. انظر: الفصل ١/٨٨. وأما القشيري الذي أنكر نسبة هذا القول للأشعري وأصحابه، وقال: إن ذلك بهتان عظيم وكذب محض لم ينطق به منهم أحد، ولا سمع في مجلس مناظرة عنهم، ولا وجد ذلك في كتاب لهم. فيرى أن أصل هذه المقالة هو: (أن بعض الكرامية الزم بعض الأشاعرة وقال: إذا كان عندكم الميت في حال موته لا يحس ولا يعلم فيجب أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم في قبره غير مؤمن لأن الإيمان عندكم المعرفة والتصديق والموت ينافي ذلك فإذا لم يكن له علم وتصديق لا يكون له إيمان ومن لا يكون مؤمنا لا يكون نبيا ... ثم قال – واعلموا رحمكم الله أن ما يلزمه الخصم بدعواه فيقول هذا على أصلكم ومقتضى علتكم يلزمكم فلا يجوز أن ينسب ذلك إلى صاحب المذهب فيقال هذا مذهب فلان) انظر: (رسالة شكاية أهل السنة (ضمن طبقات الشافعية ٢/ ٢٧٩-٢٨٢) . ونفى السبكي أن يكون ابن فورك قال بذلك وقتل لأجله، وذكر أن الكرامية دسوا عليه ذلك لدى السلطان وأن ابن فورك أنكر ذلك أمامه. فأمر بإعزازه وإكرامه وإرجاعه إلى وطنه. فسلط عليه بعض الكرامية من سمه. انظر الطبقات: ٣/٥٤. والحق أني لم أجد في كتب القوم التي اطلعت عليها من قال بذلك ولم أجد من نسب ذلك إليهم غير المصنف وابن حزم. فهذا الباقلاني وهو من أئمتهم ورؤوسهم يقول في: الإنصاف: ((ويجب أن يعلم أن نبوات الأنبياء صلوات الله عليهم لا تبطل، ولا تنخرم بخروجهم عن الدنيا وانتقالهم إلى دار الآخرة، بل حكمهم في الدنيا كحكمهم في حالة نومهم، وحالة اشتغالهم، إما بأكل أو شرب أو قضاء وطر ... ثم قال: وقد غلط من نسب إلى مذهب المحققين من الموحدين إبطال نبوة الأنبياء عليهم السلام بخروجهم من دار الدنيا. وليس ذلك بصحيح، لأن مذهب المحققين أنه ما استحق شرف الرسالة بتأدية الرسالة وإنما صار رسولا واستحق شرف الرسالة والنبوة بقول مرسله: وهو الله تعالى (أنت رسولي ونبي، وقول الله قديم لا يزول ولا يتغير)) الإنصاف ص٦٣-٦٤. والذي أراه: أن في ثبوت نسبة هذا القول للقوم نظراً إذ لم يقم دليل على ذلك. بل كتب أئمتهم تصرح بعكس ذلك وتفصح بإثبات نبوة الأنبياء بعد موتهم كما أشرت، ولم يقم لدينا دليل قوي ولا ضعيف على نسبة ذلك إليهم، وإنما يدان القوم من كتبهم أو النقل الصحيح الموثق عنهم، فنسبة ذلك إليهم تشنيع لا دليل عليه ولا مبرر له، والذي يظهر أنه إلزام ألزم به بعضهم كما ذكر القشيري وأومأ إليه ابن حزم كما سبق. ولازم المذهب ليس بمذهب على الصحيح. والله اعلم.