فبين رحمه الله أن للإيمان إطلاقين: أحدهما: أصل الإيمان الذي لا نجاة إلا بتحقيقه، والثاني كمال الإيمان الذي
ما يحصل به النجاة المطلقة من نار جهنم والفوز بالدرجات العالية في الجنة.
فتقسيم الإيمان على هذا النحو واضح لا إشكال فيه، لكن لا يلزم منه أن يكون القسم الأول منه غير قابل للزيادة والنقصان؛ لأنه لا ريب عند أهل العلم بالكتاب والسنة أن الناس يتفاوتون في تصديقهم بالله وملائكتة وكتبه ورسله وفي غير لك من أمور الإيمان بحسب قوة الأدلة وضعفها وقوة التصديق وضعفه، فليس تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بالله وملائكته وكتبه ورسله كتصديق آحاد الأمة، وليس تصديق الملائكة بذلك كتصديق آحاد الناس، بل بينهم من الفرق ما الله به عليم.
ثم إن قيل إن أصل الإيمان الذي لا يتحقق الإيمان إلا به لا يقبل النقص، فما وجه عدم قبوله الزيادة، وكيف يكون قد بلغ الكامل المنجي إلا لكونه زاد، وبهذا يعلم تناقض قول هؤلاء.
ومما يبين تناقضه أيضاً وصفهم للإيمان بالكامل إذ كيف يوصف بالكامل ما لا يقبل الزيادة ولا النقص، ولهذا تحرج بعضهم من إطلاق هذه العبارة لما تتضمنه من دلالة على قبول الإيمان للزيادة والنقصان.
يقول الزبيدي في الإتحاف بعد أن حكى القول االمتقدم: "قلت: وهو حسن، ولكن ما أعجبني تسمية القسم الأخير بالكامل، فإنه يستدعي أن يكون مقابله ناقصاً، وهو وإن كان صحيحاً في نفس الأمر لكن التعبير
١ رواه البيهقي في الاعتقاد (ص ١٢٠) ، وفي الشعب (١/٢١٨) .