للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا علم أن الله قد نهى عباده عن الثناء على أنفسهم وتزكيتها، فأي وصف وثناء أبلغ من الثناء عليها بالإيمان وأي تزكية أعظم من هذا، يقول الخليل النحوي: "إذا قلت إني مؤمن فأي شيء بقي"١.

ومن لطيف ما روي في هذا أن أعرابياً سئل أمؤمن أنت، فقال: "أزكي نفسي"٢. وتأمل كيف وفق هذا الأعرابي بفطرته السليمة إلى هذا الفقه المسدد، الذي لا يتهيأ مثله لمن شغل أوقاته بالفلسفات الكلامية والآراء المنطقية، التي هي أشد ما يكون خطراً على الإيمان والفطر.

فينبغي للعقلاء أهل الإيمان أن يتجنبوا قول ما فيه تزكية نفوسهم، كما قال ابن بطة رحمه الله في ذكر بعض أوصاف أهل الإيمان: "اعلموا رحمنا الله وإياكم أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجود الإيمان فيهم، ودوام الإشفاق على إيمانهم، وشدة الحذر على أديانهم، فقلوبهم وجلة من خوف السلب، قد أحاط بهم الوجل، لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمارهم، حذرين من التزكية، متبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم حين يقول: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} ٣ ... " ٤.

فهذا مأخذ ثالث للسلف في الاستثناء، يستثنون مخافة تزكية النفس، فكلمة مؤمن تعدل عندهم كلمة بر وتقي ومن أهل الجنة.

قال شيخ الإسلام: "فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا


١ رواه الخلال في السنة (٣/٥٦٨) وعبد الله في السنة (١/ ٣١٦) ، واللالكائي في شرح الاعتقاد (٥/ ٩٦١) .
٢ رواه اللالكائي في شرح الاعتقاد (٥/١٠٠٧) من طريق الأصمعي وسليمان بن حرب عن حماد، وقال في آخره سليمان: "وكان حماد يعجبه قوله".
٣ سورة النجم، الآية: ٣٢.
٤ الإبانة لابن بطه (٢/ ٨٦٢) .

<<  <   >  >>