للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القيامة، فإذا علق العزم بالفعل على التصديق والإقرار فقد ظهرت المشيئة وصح العقد، فلا معنى للاستثناء؛ ولأن الاستثناء عقيب الكلام يرفع الكلام، فلا يبقى الإقرار بالإيمان والعقد مؤمناً، وربما يتوهم هذا القائل القارن بالاستثناء على الإيمان بقاء التصديق، وذلك يزيله.

قلت: فتعليلهم في المسألة إنما يتوجه فيمن يعلق إنشاء الإيمان على المشيئة، كالذي يريد الدخول في الإسلام، فيقال له: آمن. فيقول: أن أومن إن شاء الله، أو آمنت أن شاء [الله] ، أو أسلمت إن شاء الله، أو أشهد إن شاء الله ألا إله إلا الله، وأشهد إن شاء الله أن محمداً رسول الله، والذين استثنوا من السلف والخلف لم يقصدوا في الإنشاء، وإنما كان استثناؤهم في إخباره عما قد حصل له من الإيمان، فاستثنوا؛ إما أن الإيمان المطلق يقتضي دخول الجنة وهم لا يعلمون الخاتمة، كأنه إذا قيل للرجل: أنت مؤمن. قيل له: أنت عند الله مؤمن من أهل الجنة، فيقول: أنا كذلك إن شاء الله أو لأنهم لا يعرفون أنهم أتوا بكمال الإيمان الواجب.

ولهذا كان من جواب بعضهم إذا اقيل له أنت مؤمن: آمنت بالله وملائكته وكتبه، فيجزم بهذا ولا يعلقه، أو يقول: إن كنت تريد الإيمان الذي يعصم دمي ومالي فأنا مؤمن، وإن كنت تريد قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} ١ وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ


١ سورة الأنفال، الآية: ٢-٤.

<<  <   >  >>