وروي عن كعب قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أن تأهب لعدو قد أظلك قال: يا رب من عدوي وليس بحضرتي عدو؟ قال: بلى الشتاء وليس المأمور به أن يتقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلية فإن ذلك يضر أيضا وقد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر والبرد بالكلية حتى لا يحس بهما بدنه فتلف باطنه وتعجل موته فإن الله بحكمته جعل الحر والبرد في الدنيا لمصالح عباده فالحر لتحلل الأخلاط والبرد لجمودها فمتى لم يصب الأبدان شيء من الحر والبرد تعجل فسادها ولكن المأمور به اتقاء ما يؤذي البدن من الحر المؤذي والبرد المؤذي المعدودان من جملة أعداء ابن آدم.
قيل لأبي حازم الزاهد: إنك لتشدد يعني في العبادة؟ فقال: وكيف لا أشدد وقد ترصد لي أربعة عشر عدوا قيل له: لك خاصة؟ قال بل لجميع من يعقل قيل له: وما هذه الأعداء قال: أما أربعة: فمؤمن يحسدني ومنافق يبغضني وكافر يقاتلني وشيطان يغويني ويضلني وأما العشرة: فالجوع والعطش والحر والبرد والعري والمرض والفاقة والهرم والموت والنار ولا أطيقهن إلا بسلاح تام ولا أجد لهن سلاحا أفضل من التقوى فعد الحر ولبرد من جملة أعدائه.
وقال الأصمعي: كانت العرب تسمي الشتاء: الفاضح فقيل لامرأة منهم أيما أشد عليكم القيظ أم القر؟ قالت: سبحان الله من جعل البؤس كالأذى فجعلت الشتاء بؤسا والقيظ أذى قال بعض السلف: إن الله وصف الجنة بصفة الصيف لا بصفة الشتاء فقال: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ، وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ}[الواقعة: ٢٨, ٣٢] وقد قال الله تعالى في صفة أهل الجنة: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً}[الانسان:١٣] فنفى عنهم شدة الحر والبرد قال قتادة: علم الله أن شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا.
قال أبو عمرو بن العلاء: إني لأبغض الشتاء لنقص الفروض وذهاب الحقوق وزيادة الكلفة على الفقراء وقد روي في حديث مرفوع: "إن الملائكة تفرح بذهاب الشتاء" لما يدخل فيه على فقراء المؤمنين من الشدة ولكن لا يصح إسناده وروي أيضا مرفوعا: "خير صيفكم أشده حرا وخير شتائكم أشده بردا وإن الملائكة لتبكي في الشتاء رحمة لبني آدم" وإسناده أيضا باطل وقال بعض السلف: البرد عدو الدين يشير إلى أنه يفتر عن كثير من الأعمال ويثبط عنها فتكسل النفوس.