وودوا لو كففنا فاستوينا ... فصار الناس كالشيء المشوب
وكنا نستطب إذا مرضنا ... فصار هلاكنا بيد الطبيب
وكان بعض العلماء المشهورين له مجلس للوعظ فجلس يوما فنظر إلى من حوله وهم خلق كثير وما منهم إلا من قد رق قلبه أو دمعت عينه فقال لنفسه فيما بينه وبينها: كيف بك إن نجا هؤلاء وهلكت أنت ثم قال في نفسه: اللهم إن قضيت علي غدا بالعذاب فلا تعلم هؤلاء بعذابي صيانة لكرمك لا لأجلي لئلا يقال: عذب من كان في الدنيا يدل عليه إلهي قد قيل لنبيك صلى الله عليه وسلم: اقتل ابن أبي المنافق فقال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" فامتنع من عقابه لما كان في الظاهر ينسب إليه وأنا على كل حال فإليك أنسب.
زور رجل شفاعة إلى بعض الملوك على لسان بعض أكابر الدولة فاطلع المزور عليه على الحال فسعى عند الملك في قضاء تلك الحاجة واجتهد حتى قضيت ثم قال للمزور عليه: ما كنا نخيب من علق أمله بنا ورجى النفع من جهتنا إلهي فأنت أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين فلا تخيب من علق أمله ورجاءه بك وانتسب إليك ودعا عبادك إلى بابك وإن كان متطفلا على كرمك ولم يكن أهلا للسمسرة بينك وبين عبادك لكنه طمع في سعة جودك وكرمك فأنت أهل الجود والكرم وربما استحيا الكريم من رد من تطفل على سماط كرمه.
إن كنت لا أصلح للقرب ... فشأنكم صفح عن الذنب
وقوله صلى الله عليه وسلم:"لو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد حتى يذنبوا فيغفر لهم" وخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم لجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم" وفي حديث أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم" وفي رواية له أيضا: " لو لم يكن لكم ذنوب يغفرها الله لجاء الله بقوم لهم ذنوب فيغفر لهم".
والمراد بهذا: أن لله تعالى حكمة في إلقاء الغفلة على قلوب عباده أحيانا حتى تقع منهم بعض الذنوب فإنه لو استمرت لهم اليقظة التي يكونون عليها في حال سماع الذكر لما وقع منهم ذنب وفي إيقاعهم في الذنوب أحيانا فائدتان عظيمتان:
أحدهما: اعتراف المذنبين بذنوبهم وتقصيرهم في حق مولاهم وتنكيس رؤوس عجبهم وهذا أحب إلى الله من فعل كثير من الطاعات فإن دوام الطاعات قد توجب لصاحبها العجب وفي الحديث: "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو