له، وسماه رسوله صلى الله عليه وسلم العبادة ومخ العبادة فكيف يقال هو الحلف؟ فمن صرف الدعاء لغير الله فقد أشرك في الدين الذي أمر الله بإخلاصه وفي العباد
ة التي أمر الله بها، وأيضاً فإن الداعي راغب راهب فالعبد يدعو ربه رغباً ورهباً، ويتوكل عليه في حصول مطلوبه ودفع مرهوبه، فإذا طلب فوائده وكشف شدائده من غير الله فقد أشرك مع الله في الرغبة والرهبة والرجاء والتوكل فإن هذا من لوازم الدعاء وهو من العبادة التي أمر الله بها كقوله تعالى:{وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} وقوله تعالى {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فمن استغاث بغيؤر الله فهو راغب في حصول مطلوبه راج له متوكل عليه وذلك هو حقيقة العبادة التي لا تصلح إلا لله، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي تؤلهه القلوب محبة ورجاء وخوفاً وتوكلاً.
ويقال أيضاً الذي يدعو غير الله في مهماته وكشف كرباته قد رد على الله وكذب بآياته فإن الله أخبر أنه لا يشفع إلا بإذنه وأن الشفاعة كلها لله، وهذا زعم أن الميت يشفع له، وأخبر الله أن الأولياء والصالحين لا يملكون كشف الضر ولا تحويله وأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون الدعاء ولا يستجيبون، وهذا زعم أنهم باب حوائجه إلى الله وأنهم ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون الدعاء ولا يستجيبون، فكذب على الله وكذب بآياته فكيف يقال: أن هذا كالحلف بغير الله؟ الذي قصاراه أن يكون شركاً اصغر يعاقب عليه كما يعاقب الزاني، وقاتل النفس وآكل الربا لأنه ارتكب محرماً غير مستحل له نظير ما يفعله الزاني وقاتل النفس، فأما ان فعله مستحلاً له أو يكون المخلوق في قلبه أعظم من الخالق كان ذلك كفراً.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتواضع للخلق والحلف بغير الله وما لي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ولولا أنت لم يكن كذا وكذا وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب حال قائله ومقصده انتهى.
ويقال أيضاً: من المعلوم بالإضرار من دين الإسلام أن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم يدعو إلى التوحيد وينهى عن الإشراك فكان أول آية أرسله الله بها {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فأنذر عن الشرك، وهجر الأوثان وكبر الله، وعظمه بالتوحيد فاستجاب له من استجاب من المسلمين، وصبروا على الأذى من قومهم، وقاسوا الشدائد العظيمة فهاجروا وأخرجوا من ديارهم، وأذوا في الله وتميز الكافر من المسلم. ومات من المسلمين من استوجب الجنة ومات من الكفار من استوجب النار، هذا كله قبل النهي عن الحلف بغير الله، فالاستغاثة بأهل القبور واستنجادهم واستنصارهم لم يبح في شرائع الرسل كلهم بل بعث الله جميع رسله بالنهي عن ذلك والأمر بعبادته وحده لا شريك له.
وأما الحلف فكان الصحابة يحلفون بآبائهم بالكعبة وغير ذلك، ولم ينهوا عن ذلك إلا بعد مدة طويلة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" وقال: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت". ومن لا يميز بين دعاء