[فصل: في قوله ان نظر فيه من حيثية القول فهو كالحلف بغير الله، وان نظر فيه من حيثية الإعتقاد فهو كالطيرة]
...
فصل
قوله الثاني: ان نظر فيه من حيثية القول فهو كالحلف بغير الله، وقد ورد أنه شرك وكفر ثم أولوه بالأصغر، وان نظر فيه من حيثية الاعتقاد فهو كالطيرة وهي من الأصغر.
فنقول هذا كلام باطل، وليس يخفى ما بينهما من الفرق فأي مشابهة بين من وحد الله وعبده ولم يشرك معه أحداً من خلقه وأنزل حاجته كلها بالله واستغاث له في تفريج كرباته وإغاثة لهفاته، لكنه حلف بغير الله يميناً مجردة لم يقصد بها تعظيمه على ربه ولم يسأله ولم يستغث به وبين من استغاث لغير الله، وسأله جلب الفوائد وكشف الشدائد، فإن هذا صرف مخ العبادة الذي هو لبها وخالصها لغير الله وأشرك مع الله غيره في أجل العبادات وأفضل القربات التي أمرنا الله بها في غير موضع من كتابه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو العبادة كما تقدم في حديث النعمان بن بشير أن الدعاء هو العبادة، وفي حديث أنس "الدعاء مخ العبادة" وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحب الملحين فيه، وأن من لم يسأل الله يغضب عليه، ففي الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم:"سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل" وفيه أيضاً "إن الله يحب الملحين في الدعاء" وفيه أيضاً "من لم يسأل الله يغضب عليه" وفي الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".
وما الحلف فلم يأمرنا الله به، بل أمرنا بحفظه فقال:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} قيل المعنى: لا تحلفوا وقيل: لا تحنثوا، ولا يرد على هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلف في مواضع فاليمين تستحب إذا كان فيها مصلحة راجحة، وعلى هذا حمل العلماء ما روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو يحلف لمصالح مطلوبة للأمة كزيادة إيمانهم وطمأنينة قلوبهم كما أمره الله بذلك في ثلاث مواضع من كتابه، وأما الحلف لغير مصلحة فليس مشروعاً بل يباح إذا كان صادقاً.
وأما الدعاء فهو محبوب مشروع لله، بل سماه الله في كتابه الدين وأمر بإخلاصه