ومن هذا الباب ما يروى أن عبد الله بن جعفر قال: كنت إذا سألت علياً شيئاً فلم بعطنيه قلت له: بحق جعفر إلا ما أعطيتنيه أو كما قال، فإن بعض الناس ظن أن هذا من باب الاقسام عليه بجعفر أو من قولهم: أسألك بحق أنبيائك ونحو ذلك، وليس كذلك، بل جعفر هو أخو علي، وعبد الله ابنه وله عليه حق الصلة فصلة عبد الله صلة لأبيه جعفر، كما في الحديث "إن من أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه بعد أن يولي" ولو كان هذا من هذا الباب الذي ظنوه لكان سؤاله لعلي بحق النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم ونحوهما أولى من سؤاله بحق جعفر، ولكان علي إلى تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبته وجابته السائل أسرع منه إلى إجابة السائل بغيره انتهى ملخصاً.
وأما قول القائل: فقد أخرج الحاكم في المستدرك وصححه أن آدم توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
فهو من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال أحمد بن حنبل: ضعيف وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء وضعفه ابن المديني جداً، وقال أبو داود: أولا د زيد بن أسلم كلهم ضعيف وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: ذكر رجل لمالك حديثاً فقال: من حدثك فذكر إسناداً له منقطعاً فقال: اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح عليه السلام، وقال أبو زرعة ضعيف، وقال أبو حاتم ليس بقوي في الحديث كان في نفسه صالحاً، وفي الحديث واهياً، وقال ابن حبان: كتن يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل، وإسناد المتروك فاستحق الترك، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفاً جداً، وقال ابن خزيمة: ليس هو ممن يحتج أهل العلم بحديثه. وقال الحاكم وأبو نعيم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة، وقال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه فهذا الحديث الذي استدل به تفرد به عبد الرحمن بن زيد وهو كما تسمع.
وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية قدس اله روحه ونور ضريحه: في رده على ابن البكري وأما قول القائل: قد توسل به الأنبياء آدم وإدريس ونوح وأيوب كما هو مذكور في كتب التفسير وغيرها فيقال: مثل هذه القصص لا يجوز الاحتجاج بها بإجماع المسلمين
فإن الناس لهم في شرع من قبلنا قولان: أحدهما: أنه ليس بحجة، الثاني أنه حجة ما لم يأت شرعنا بخلافه بشرط أن يثبت ذلك بنقل معلوم كأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فأما الاعتماد على نقل أهل الكتاب، أو نقل من نقل عنهم فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين، لأن في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم".
وهذه القصص التي فيها ذكر توسل الأنبياء بذاته ليست في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا لها إسناد معروف عن أحد من الصحابة، وإنما تذكر مرسلة كما تذكر الاسرائيليات التي تروى عمن لا يعرف، وقد بسطنا الكلام في غير هذا الموضع على ما نقل في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلمنا عليه وبينا بطلانه، ولو نقل