المسألة يظهر جوابها مما تقدم، فان الله قد أتم نعمته على خلقه برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وافترض على الخلق طاعته، وأخبر أن من أطاعه فقد أطاع الله فقال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وقال جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وهو صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق للأمة كما أخبر الله عنه في قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} فدل أمته على كل خير يعلمه لهم، وحذر أمته عن شر ما يعلمه لهمن فكل عمل لم يشرعه فليس من الدين.
والعبادات مبناها على الأمر الاتباع لا على الهوى والابتداع، وكل عمل ليس عليه أمره فهو رد كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وقال صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" فيقال لمن أجاز القبور أعياداً: هل هذا مما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب فيه أم هو مما نهى عنه وحذر من صلى الله عليه وسلم وهل فعل ذلك خلفاؤه الراشدون، والذين أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم سنتهم كما في حديث العرباض "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة" ومعلوم أن قبره صلى الله عليه وسلم أشرف قبر على وجه الأرض فلو كان فضيلة لما أهملوه ومن له معرفة بالسنن والآثار يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وحذر أمته وأن الصحابة لم يفعلوه وكذلك أتباعهم الذين اتبعوهم بإحسان لم يفعلوه بل نهوا عن ذلك وأنكروا على ما فعله.
ونحن نذكر بعض ما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن اتخاذ قبره عيداً وهو سيد القبور فقبر غيره من باب الأولى والأحرى، قال أبو داود في سننه: حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حديث ما كنتم" وهذا اسناد جيد رواته كلهم ثقاة مشاهير، وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا جعفر بن ابراهيم من ولد ذي الجناحين حدثنا علي بن الحسين انه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه فقال: الا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي فان تسليمكم يبلغني أينما كنتم" رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاراته التي اختارها من الاحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين، وقال سعيد بن منصور في السنن: حدثنا حبان بن علي حدثني محمد بن عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم