(قلت) وعليه العمل من مدة طويلة وإلا تعطلت أحكام الناس وقيل في المقلد يفتي ضرورة وذكر القاضي أن ابن شاقلا اعترض عليه بقول الإمام أحمد لا يكون فقيهاً حتى يحفظ أربعمائة ألف حديث فقال ان كنت لا أحفظه فانني أفتى بقول من يحفظ أكثر منه. قال القاضي لا يقتضي هذا أنه كان يقلد أحمد لمنعه الفتيا بلا علم قال بعض الأصحاب: ظاهره تقليده إلا أن يحمل على أخذ طرق العلم عنه. وقال ابن بشار من الأصحاب لا أعيب على من يحفظ خمس مسائل لأحمد يفتي بها. وقال القاضي هذا منه مبالغة في فضله وظاهر نقل عبد الله يفتي غير مجتهد ذكره القاضي وحمله الشيخ تقي الدين على الحاجة انتهى ملخصاً.
وذكر ابن القيم مسئلة التقليد في الفتيا ثلاثة أقوال:
(أحدها) أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد لأنه ليس بعلم والفتوى بغير علم حرام ولا خلاف بين الناس أن التقليد ليس بعلم وأن المقلد لا يطلق عيه اسم عالم وهذا قول أكثر الأصحاب وهو قول جمهور الشافعية.
(والثاني) أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه فيجوز أن يقلد غيره من العلماء إذا كان الفتوى لنفسه ولا يجوز أن يقلد العالم فيما يفتي به لغيره وهذا قول ابن بطة وغيره من أصحابنا.
(والقول الثالث) أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد وهو أصح الأقوال وعليه العمل انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
فتبين بما ذكرناه أن المقلد ليس بعالم وإن التقليد إنما يصار إليه عند الحاجة للضرورة ولكن قد دعت الحاجة والضرورة إليه من زمان طويل لا سيما في هذا الوقت وحينئذ فيقال التقليد ثلاثة أنواع:
(أحدها) التقليد بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد فهذا لا يجوز وقد اتفق السلف والأئمة على ذمه وتحريمه قال الشافعي رحمه الله أجمع المسلمون على أنه من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس.
(النوع الثاني) التقليد مع القدرة على الاستدلال والبحث عن الدليل فهذا مذموم أيضاً لأنه عمل على جهل وإفتاء بغير علم مع قدرته وتمكنه من معرفة الدليل المرشد والله تعالى قد أوجب على عباده أن يتقوه بحسب استطاعتهم فقال تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" فالواجب على كل عبد أن يبذل جهده في معرفة ما يتقيه مما أمره الله به ونهاه عنه ثم يلتزم طاعة الله ورسوله ولم يكلف الله عباده ما لا يطيقونه بل الواجب