إنما هو تذكر الآخر ة والإحسان إلى الميت بالدعاء له، والترحم والاستغفار له وسؤال العافية. كما في صحيح مسلم عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا السلام على أهل الديار -وفي لفظ عليكم أهل الديار- من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية".
وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من ميت يصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" رواه مسلم فإذا كنا على جنازته ندعوا له لا ندعوه، ونشفع له لا نستشفع به، فبعد الدفن أولى وأحرى.
فبدل أهل الشرك قولا غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعائه، والشفاعة له بالإستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إحسانا إلى الميت بسؤال الميت، وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة" رواه الترمذي وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة، ومن المحال أن يكون دعاء الموت مشروعاً ويصرف عنه القرون الثلاثة المفضلة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يوفق له الخلوف الذي يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون.
فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه طريقة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، هل نقل عن أحد منهم بنقل صحيح أو حسن أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها، وتمسحوا بها، فضلاً عن أن يسألوا أصحابها جلب الفوائد، وكشف الشدائد؟ ومعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، وقد كان عندهم من قبور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمطار عدد كثير وهم متوافرون فما منهم من استغاث عند قبره، ولا دعاه، ولا استشفى به، ولا استنصر به، ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا بغيره من الأنبياء، ولا كانوا يقصدون الدعاء عند قبور الأنبياء ولا الصلاة عندها، فإن كان عندكم في هذا أثر صحيح أو حسن فأوقفونا عليه، بل الذي صح عنهم خلاف ما ذهبتم إليه.
ولما قحط الناس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس وتوسل بدعائه وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقنا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. ثبت ذلك في صحيح البخاري ذكره في كتاب الاستسقاء من صحيحه.
ونحن نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لأمته أن يدعوا