الرواية المقبولة، لتأكيد أمر مهم وهو: معرفة المحدثين – في ذلك الزمان المتقدم، الذي دوّن فيه كتَّابُ التأريخ والسير كتبَهم - لشروط الرواية المقبولة، التي تثبت بها الحجة، وأن هذه الشروط ليست من صنيع المتأخرين من المحدثين – بعد عصر التدوين- الذين جاؤوا بعد أن دوّن كتَّابُ التأريخ والسير كتُبهم ومصنفاتهم، بل كانوا جميعاً – المحدثون وكتاب التأريخ والسير- في عصر واحد بل وبلد واحد، وهؤلاء وأولئك رحلوا، وطلبوا العلم، وسأل كل طائفة منهم الشيوخ المعروفين بحمل العلم عن بغيتهم ومرادهم، كما سألوا بعض الناس عن المواقع والمشاهد، والقبائل والأشخاص، ودونوا ما أخذوه منهم في مصنفاتهم، فلماذا اختلفت شروطهم ومناهجهم؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه في هذا البحث.
إذا علمنا أن أبا عبد الله الحاكم يعد من أول المصنفين في علوم الحديث، فسنبحر قبله بقرنين من الزمان – تقريباً- ونبدأ بالإمام الشافعي (ت:٢٠٤هـ) الذي يعد كتابه الرسالة جامعاًً بين علوم شتى، من الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، حيث يقول في كتابه (الرسالة) :"ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورا منها أن يكون من حدّث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه، عاقلاً لما يحدث به، عالماً بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، [أ] وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع - لا يحدث به على المعنى؛ لأنه إذا حدث على المعنى وهو غير عالم بما يحيل به معناه لم يدر لعله يحيل الحلال إلى حرام، وإذا أداه بحروفه فلم يبق وجه يخاف فيه إحالته الحديث - حافظاً إذا حدّث به من حفظه، حافظاً لكتابه إذا حدّث من كتابه، إذا شَرِكَ أهل الحفظ في حديث وافق حديثهم، بريئاً من أن يكون مدلساً - يحدث عن من لقي ما