للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول للناس إذا قفلوا: اخرجوا إلى أريافكم «١» ، فإذا غنّى الذباب وحمض اللبن، ولوى العود، فحىّ على فسطاطكم.

خطبة عمرو بن العاص:

(* حدثنا سعيد بن ميسرة، عن إسحاق بن الفرات، عن ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميرى، عن بحير بن ذاخر المعافرى، قال: رحت أنا ووالدى إلى صلاة الجمعة تهجيرا، وذلك آخر الشتاء أظنّه بعد حميم النّصارى بأيام يسيرة. فأطلنا الركوع إذ أقبل رجال بأيديهم السياط، يزجّرون الناس، فذعرت، فقلت: يا أبت، من هؤلاء؟ قال: يا بنىّ هؤلاء الشرط، فأقام المؤذّنون الصلاة، فقام عمرو بن العاص على المنبر، فرأيت رجلا ربعة قصد القامة وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشيّة، كأنّ به العقيان «٢» ، تأتلق عليه حلّة وعمامة وجبّة، فحمد الله وأثنى عليه حمدا موجزا وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلم، ووعظ الناس، وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحضّ على الزكاة، وصلّة الأرحام، ويأمر بالاقتصاد، وينهى عن الفضول، وكثرة العيال. وقال فى ذلك: يا معشر الناس، إيّاى وخلالا أربعا، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلّة بعد العزّة، إيّاى وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال، فى غير درك ولا نوال، ثم إنه لا بدّ من فراغ يؤول إليه المرء فى توديع جسمه، والتدبير لشأنه، وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقلّ، ولا يضيع المرء فى فراغه نصيب العلم من نفسه فيحور من الخير عاطلا، وعن حلال الله وحرامه غافلا.

يا معشر الناس، إنه قد تدلّت الجوزاء، وذكت «٣» الشعرى، وأقلعت السّماء، وارتفع الوباء، وقلّ الندى، وطاب المرعى ووضعت الحوامل، ودرّجت السخائل، وعلى الراعى بحسن رعيّته حسن النظر، فحىّ لكم على بركة الله إلى ريفكم، فنالوا من خيره ولبنه،

<<  <   >  >>