شديدا، حتى أصابت النشّاب يومئذ فرس عمرو فى لبّته وهو فى البرّ فعفر «١» فنزل عنه عمرو، ثم خرجوا من البحر فاجتمعوا هم والذين فى البرّ، فنضحوا المسلمين بالنشّاب، فاستأخر المسلمون عنهم شيئا، وحملوا على المسلمين حملة ولّى المسلمون منها، وانهزم شريك بن سمىّ فى خيله.
وكانت الروم قد جعلت صفوفا خلف صفوف، وبرز يومئذ بطريق ممن جاء من أرض الروم على فرس له عليه سلاح مذهّب، فدعا إلىّ البراز، فبرز إليه رجل من زبيد يقال له حومل يكنّى أبا مذحج، فاقتتلا طويلا برمحين يتطاردان «٢» ، ثم ألقى البطريق الرمح وأخذ السيف، وألقى حومل رمحه وأخذ سيفه، وكان يعرف بالنجدة، وجعل يصيح: أبا مذحج، فيجيبه: لبيك، والناس على شاطىء النيل فى البرّ على تعبئتهم وصفوهم، فتجاولا ساعة بالسيفين، ثم حمل عليه البطريق فاحتمله وكان نحيفا، ويخترط حومل حنجرا كان فى منطقته أو فى ذراعه، فضرب به نحر العلج أوتر قوّته فأثبته ووقع عليه، فأخذ سلبه، ثم مات حومل بعد ذلك بأيّام رحمة الله عليه، فرئى عمرو يحمل سريره بين عمودى نعشه حتى دفنه بالمقطّم.
ثم شدّ المسلمون عليهم، فكانت هزيمتهم، فطلبهم المسلمون حتى ألحقوهم بالإسكندرية، ففتح الله عليهم وقتل منويل الخصىّ.
حدثنا الهيثم بن زياد أن عمرو بن العاص قتلهم حتى أمعن فى مدينتهم، فكلّم فى ذلك فأمر برفع السيف عنهم، وبنى فى ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجد، وهو المسجد الذي بالإسكندرية الذي يقال له مسجد الرحمة؛ وإنما سمّى مسجد الرحمة لرفع عمرو السيف هنالك. وهدم سورها كله.
وجمع عمرو ما أصاب منهم فجاءه أهل تلك القرى ممن لم يكن نقض، فقالوا:
قد كنا على صلحنا، وقد مرّ علينا هؤلاء اللصوص فأخذوا متاعنا ودوابّنا وهو قائم فى يديك. فردّ عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه وأقاموا عليه البيّنة، وقال بعضهم لعمرو: ما حلّ لك ما صنعت بنا، كان لنا أن تقاتل عنّا لأنا فى ذمّتك، ولم ننقض، فأما من نقض فأبعده الله، فندم عمرو، وقال: يا ليتنى كنت لقيتهم حين خرجوا من الإسكندرية.