فلما مرّ حسان ببرقة أمّر على خراجها إبراهيم بن النصرانى، ثم مضى، فمرّ بعبد العزيز بن مروان، وهو بمصر، ثم نفذ إلى عبد الملك، فسرّ عبد الملك بما أورد عليه حسان من فتوحه وغنائمه.
ويقال بل أخذ منه عبد العزيز كلّ ما كان معه من السبى، وكان قد قدم معه من وصائف البربر بشىء لم ير مثله جمالا، فكان نصيب الشاعر يقول: حضرت السبى الذي كان عبد العزيز أخذه من حسان مائتى جارية، منها ما يقام بألف دينار.
مقتل زهير بن قيس: قال وأغارت الروم بعد حسّان على أنطابلس، فهرب إبراهيم ابن النصرانىّ وخلّى أهل أنطابلس وأهل ذمّتها فى أيدى الروم، فرأسوها»
أربعين ليلة حتى أسرعوا فيها الفساد، وبلغ ذلك عبد العزيز بن مروان، فأرسل إلى زهير بن قيس، وكان خرج مع «٢» حسان، فلما بلغ مصر أقام بها، فأمره عبد العزيز بالنهوض إلى الروم، ولم يجتمع لزهير من أصحابه إلا سبعون رجلا، وكان عارض من الصدف يقال له جندل بن صخر، وكان فظّا غليظا، فقال زهير لعبد العزيز بن مروان: أما إذ قد أمرتنى بالخروج فلا تبعثنّ معى جندلا عارضا، فيحبس علىّ الناس لشدّته وفظاظته، وكان عبد العزيز عاتبا على زهير بن قيس لأنه كان قاتله حين وجّهه أبوه مروان بن الحكم من ناحية أيلة من قبل أن يدخل مصر، فقال له: ما علمتك يا زهير إلا جلفا جافيا. فقال له زهير: ما كنت أرى يا بن ليلى أن رجلا جمع ما أنزل الله على محمد صلّى الله عليه وسلم من قبل أن يجتمع أبواك جلف جاف، ما هو بالجلف ولا الجاف، أنا منطلق فلا ردّنى الله إليك.
فخرج حتى إذا كان بدرنة من طبرقة من أرض أنطابلس، لقى الروم وهو فى سبعين رجلا، فتوقّف لتلحق به الناس، فقال له فتى شاب كان معه: جبنت يا زهير، فقال: ما جبنت يا بن أخى، ولكن قتلتنى وقتلت نفسك، فلقيهم، فاستشهد زهير وأصحابه جميعا، فقبورهم هنالك معروفة إلى اليوم.
وكان مقتل زهير وأصحابه كما حدثنا يحيى بن بكير عن الليث، فى سنة ستّ وسبعين.
قال: وكان بأملس من بريّة أنطابلس رجل من مذحج يقال له عطيّة بن يربوع