ومنها حديث الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، أن ابن شماسة أخبره أن عمرا حين حضرته الوفاة دمعت عيناه، فقال له عبد الله: يا أبا عبد الله، أجزع من الموت يحملك على هذا؟ قال: لا. ولكن ما بعد الموت، فذكر له عبد الله مواطنه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والفتوح التى كانت «١» بالشام، فلما فرغ عبد الله من ذلك قال: لقد «٢» كنت على أطباق ثلاثة، لو متّ على بعضها علمت ما يقول الناس، بعث الله محمدا فكنت أكره الناس لما جاء به، أتمنّى لو أنّى قتلته، حتى بلغ كراهيتى لدين الله أنى ركبت البحر إلى صاحب الحبشة أطلب دم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلو متّ على ذلك قال الناس: مات عمرو مشركا، عدوّا لله ولرسوله، من أهل النار. ثم قذف الله الإسلام فى قلبى فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبسط إلىّ يده ليبايعنى فقبضت يدى، ثم قلت: أبايعك على أن يغفر الله لى ما تقدّم من ذنبى، وأنا أظنّ حينئذ أنى لا آتى ذنبا فى الإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يا عمرو:«إن الإسلام يجبّ ما قبله، وإن الهجرة تجبّ ما بينها وبين الإسلام»«٣» فلو متّ على هذا الطبق قال الناس: أسلم عمرو وهاجر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نرجو لعمرو عند الله خيرا كثيرا. ثم كانت إمارات وفتن وأنا مشفق من هذا الطبق.
فإذا أخرجتمونى فأسرعوا بى، ولا تتبعنّى نائحة ولا نار، وشدّوا علىّ إزارى؛ فإنى مخاصم، وسنّو «٤» علىّ التراب سنّا، فإنّ يمينى ليست بأحق «٥» بالتراب من يسارى، ولا تدخلن «٦» القبر خشبة ولا طوبة، ثم إذا قبرتمونى فامكثوا عندى قدر نحر جزور وتفصيلها أستأنس بكم. حدثناه أبو صالح عبد الله بن صالح وأسد بن موسى، عن الليث ابن سعد، حدثنا يزيد بن أبى حبيب، أن ابن شماسة أخبره أن عمرو بن العاص لما حضرته الوفاة، ثم ذكر الحديث.
قال: وحدثنا عمرو بن سوّاد، حدثنا ابن وهب، أخبرنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن ابن شماسة، عن عبد الله بن عمرو، عن عمرو. وزاد فيها فقال له عمرو تركت أفضل من ذلك، شهادة أن لا إله إلا الله.