للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن القيم في إيضاح وجه الدلالة من هذه القصة، عن سقوط الحد ممن كانت حاله كحال أبي محجن من الإبلاء في الإسلام، والنكاية بالعدو، وظهور مخايل التوبة النصوح منه:

والظاهر أن سعدا رضي الله عنه اتبع في ذلك سنة الله تعالى، فإنه لما رأى من تأثير أبي محجن في الدين وجهاده وبذله نفسه لله ما رأى درأ عنه الحد، لأن ما أتى به من الحسنات غمرت هذه السيئة الواحدة، وجعلتها كقطرة نجاسة وقعت في بحر، ولا سيما وقد رأى منه مخايل التوبة النصوح وقت القتال، إذ لا يظن مسلم اصراره في ذلك الوقت الذي هو مظنة القدوم على الله وهو يرى الموت، وأيضا فإنه بتسليمه نفسه ووضع رجله في القيد اختياراً، قد استحق أن يوهب له وحده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له يا رسول الله أصبت حدا فأقمه عليّ، فقال: هل صليت معنا هذه الصلاة؟ قال نعم، قال: إذهب فإن الله قد غفر لك حدك.١

وظهرت بركة هذا العفو والإسقاط في صدق توبته، فقال: والله لا أشربها أبدا، وفي رواية أبد الأبد، وقد بريء النبي صلى الله عليه وسلم مما صنع خالد ببني خذيمة، وقال: اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد، ولم يؤاخذه به لحسن بلائه ونصره للإسلام.

وقال أيضا: وقوله إذ بهرجتني، أي أهدرتني بإسقاط الحد عني، ومنه يبهرج دم ابن الحارث، أي أبطله، وليس في هذا ما يخالف نصا ولا قياسا


١ أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥/٢٦٥، بلفظ: اذهب فإن الله قد عفا عنك.

<<  <  ج: ص:  >  >>