وكتاب البرهان في علوم القرآن من الكتب العتيدة التي جمعت عصارة أقوال المتقدمين، وصفوة آراء العلماء المحققين، حول القرآن الكريم، وكتاب الله الخالد، كسره على سبعة وأربعين نوعا، كل نوع يدور حول موضوع خاص من علوم القرآن ومباحثه، يستأهل كل نوع أن يكون موضوعا خاص، حاول في كل موضوع أن يؤرخ له، ويحصى الكتب التي الفت فيه، ويشير إلى العلماء والمحدثين، إلى مباحث الفقهاء والأصوليين، إلى قضايا المتكلمين وأصحاب الجدل، إلى مسائل العربية وآراء أرباب الفصاحة والبيان، فجاء كما شاء الله كتابا فريدا في فنه، شريفا في أغراضه، مع سداد المنهج، وعذوبة المورد، وغزارة المادة، بعيدا عن التعمية واللبس، ناوئا عن الحشو والفضول.
ولكن هذا الكتاب لم يكن معروفا عند الباحثين، ولا متداولا بين الطلاب والدارسين، عدا قلة من المشغوفين بمعرفة النوادر ورواد المكتبات، شأنه شأن الكثير من كتب الزركشي على عظيم خطرها، وجلالة موضوعاتها، ومقدار غنائها ونفعها، حتى جاء جلال الدين السيوطي ووضع كتابه الإتقان، فدل الناس في مقدمته عليه، وأشاد به، وعده أصلا من الأصول التي بنى عليها كتابه، وتأسي طريقته، وتقيل مذهبه، وسار في الدرب الذي رسمه، ونقل كثيرا من فصوله، مرة معزوة إليه، ومرة بدون عزو، وإن كان فيما نقل عنه اقتضب الكلام اقتضابا، واختصره اختصارا، وبهذا ظفر كتاب الإتقان بمنزلة مرموقة عند العلماء، وغدا مرجعا للباحثين حقبة من