للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّقْسِيمُ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْقِسْمَةَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا الْمُتَكَلِّمُ لِأَنَّهَا قَدْ تَقْتَضِي أَشْيَاءَ مُسْتَحِيلَةً كَقَوْلِهِمْ الْجَوَاهِرُ لَا تَخْلُو إِمَّا أَنْ تكون مجتمعة أو متفرق أَوْ لَا مُفْتَرِقَةً وَلَا مُجْتَمِعَةً أَوْ مُجْتَمِعَةً وَمُفْتَرِقَةً مَعًا أَوْ بَعْضُهَا مُجْتَمِعٌ وَبَعْضُهَا مُفْتَرِقٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ صَحِيحَةٌ عَقْلًا لَكِنَّ بَعْضَهَا يستحيل وُجُودُهُ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْمُتَكَلِّمِ أَقْسَامَ الشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يُغَادِرُ شَيْئًا وَهُوَ آلَةُ الْحَصْرِ وَمَظِنَّةُ الْإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو الْعَالَمُ جَمِيعًا مِنْ هَذِهِ الأقسام الثلاثة إما ظَالِمٌ نَفْسَهُ وَإِمَّا سَابِقٌ مُبَادِرٌ إِلَى الْخَيْرَاتِ وَإِمَّا مُقْتَصِدٌ فِيهَا وَهَذَا مِنْ أَوْضَحِ التَّقْسِيمَاتِ وَأَكْمَلِهَا.

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أصحاب المشأمة والسابقون السابقون} ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مُمَاثِلَةٌ فِي الْمَعْنَى لِلَّتِي قَبْلَهَا وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ هُمُ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ هُمُ الْمُقْتَصِدُونَ وَالسَّابِقُونَ هُمُ السَّابِقُونَ بِالْخَيْرَاتِ.

كَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خلفنا} الْآيَةَ فَاسْتَوْفَى أَقْسَامَ الزَّمَانِ وَلَا رَابِعَ لَهَا.

وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ من يمشي على بطنه} إلى قوله: {ما يشاء} ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ وَخُصُوصًا فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ البرق خوفا وطمعا} ، وَلَيْسَ فِي رُؤْيَةِ الْبَرْقِ إِلَّا الْخَوْفُ مِنَ الصَّوَاعِقِ وَالطَّمَعُ فِي الْأَمْطَارِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>