إِلَى "فِي" فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ إِيذَانًا بِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ اسْتِحْقَاقًا لِلتَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ بِاللَّامِ لِأَنَّ "فِي" لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ بِاسْتِعْمَالِهَا عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يَجْعَلُوا مَظِنَّةً لِوَضْعِ الصَّدَقَاتِ فِيهِمْ كَمَا يُوضَعُ الشَّيْءُ فِي وِعَائِهِ مُسْتَقِرًّا فِيهِ وَفِي تَكْرِيرِ حَرْفِ الظَّرْفِ دَاخِلًا عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْجِيحِهِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ: {وَفِي الرِّقَابِ} يقل والرقاب لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ
وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحِكْمَةِ فِيهِ أَقْرَبُ
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بي} ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: أَحْسَنَ بِي وَإِلَيَّ وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْمَعَانِي وَأَلْيَقُهَا بِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ "بِي" لِأَنَّهُ إِحْسَانٌ دَرَجَ فِيهِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الْغَايَةَ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} ، وَلَمْ يَقُلْ "عَلَى" كَمَا ظَنَّ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ "على" للاستعلاء والمصلوب لا يجعل على رؤوس النَّخْلِ وَإِنَّمَا يُصْلَبُ فِي وَسَطِهَا فَكَانَتْ فِي أَحْسَنَ مِنْ عَلَى
وَقَالَ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فان} ،ولم يقل فِي الْأَرْضِ لِأَنَّ عِنْدَ الْفَنَاءِ لَيْسَ هُنَاكَ حَالُ الْقَرَارِ وَالتَّمْكِينِ
وَقَالَ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يمشون على الأرض هونا} وقال: {ولا تمش في الأرض مرحا} ، وَمَا قَالَ: عَلَى الْأَرْضِ وَذَلِكَ لَمَّا وَصَفَ الْعِبَادَ بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَمْ يُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هُمْ عَلَيْهَا مُسْتَوْقِرُونَ وَلَمَّا أَرْشَدَهُ ونهاه عن فعل التبختر قال لا تَمْشِ فِيهَا مَرَحًا بَلِ امْشِ عَلَيْهَا هَوْنًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute