للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ وَقَدِ اسْتَخْرَجَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَغْرِبِ مِنْ قوله تعالى {الم غلبت الرُّومِ} فُتُوحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِنْقَاذَهُ مِنَ الْعَدُوِّ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَكَانَ كَمَا قَالَ

السَّابِعُ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ لَغَوْا فِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ والغوا فيه} فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا النَّظْمَ الْبَدِيعَ لِيَعْجَبُوا مِنْهُ وَيَكُونُ تَعَجُّبُهُمْ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِهِمْ وَاسْتِمَاعُهُمْ لَهُ سَبَبًا لِاسْتِمَاعِ مَا بَعْدَهُ فَتَرِقُّ الْقُلُوبُ وَتَلِينُ الْأَفْئِدَةُ

الثَّامِنُ: أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ ذُكِرَتْ لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُؤَلَّفٌ مِنَ الْحُرُوفِ الَّتِي هِيَ أب ت ث فَجَاءَ بَعْضُهَا مُقَطَّعًا وَجَاءَ تَمَامُهَا مُؤَلَّفًا لِيَدُلَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ أَنَّهُ بِالْحُرُوفِ الَّتِي يَعْقِلُونَهَا وَيَبْنُونَ كَلَامَهُمْ مِنْهَا

التَّاسِعُ: وَاخْتَارَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ كُلُّهَا تَأْوِيلًا وَاحِدًا فَيُقَالُ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا افْتَتَحَ السُّوَرَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ إِرَادَةً مِنْهُ لِلدَّلَالَةِ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةٍ لَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الْحُرُوفُ جَامِعَةً لِأَنْ تَكُونَ افْتِتَاحًا وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَأْخُوذًا مِنِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ وَضَعَهَا هَذَا الْوَضْعَ فَسَمَّى بِهَا وَأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا فِي آجَالِ قَوْمٍ وَأَرْزَاقِ آخَرِينَ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِنْعَامِهِ وَإِفْضَالِهِ وَمَجْدِهِ وَأَنَّ الِافْتِتَاحَ بِهَا سَبَبٌ لِأَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَ وَأَنَّ فِيهَا إِعْلَامًا لِلْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْآنَ الدَّالَّ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ وَأَنَّ عَجْزَهُمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ مَعَ نُزُولِهِ بِالْحُرُوفِ الْمُتَعَالِمَةِ بَيْنَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَجُحُودِهِمْ وَأَنَّ كُلَّ عَدَدٍ مِنْهَا إِذَا وَقَعَ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ فَهُوَ اسْمٌ لِتِلْكَ السُّورَةِ

قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ الْجَامِعُ لِلتَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>