فَإِنْ قُلْتَ: مَا السِّرُّ فِي نُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ مُنَجَّمًا وَهَلَّا نَزَلَ جُمْلَةً كَسَائِرِ الْكُتُبِ قُلْتُ هَذَا سُؤَالٌ قَدْ تَوَلَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَوَابَهُ فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جملة واحدة} ، يَعْنُونَ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرسل فأجابهم الله بِقَوْلِهِ: {كَذَلِكَ} أَيْ أَنْزَلْنَاهُ كَذَلِكَ مُفَرَّقًا {لِنُثَبِّتَ به فؤادك} أَيْ لِنُقَوِّيَ بِهِ قَلْبَكَ فَإِنَّ الْوَحْيَ إِذَا كَانَ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ كَانَ أَقْوَى لِلْقَلْبِ وَأَشَدَّ عِنَايَةً بِالْمُرْسَلِ إِلَيْهِ وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ كَثْرَةَ نُزُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ وَتَجْدِيدَ الْعَهْدِ بِهِ وَبِمَا مَعَهُ مِنَ الرِّسَالَةِ الْوَارِدَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ الْعَزِيزِ فَحَدَثَ لَهُ مِنَ السُّرُورِ مَا تَقْصُرُ عَنْهُ الْعِبَارَةُ وَلِهَذَا كَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ لِكَثْرَةِ نُزُولِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السلام
وقيل: معنى {لنثبت به فؤادك} لنحفظه فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ فَفُرِّقَ عَلَيْهِ لِيُيَسَّرَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ كَاتِبًا قَارِئًا فَيُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ إِذَا نُزِّلَ جُمْلَةً
فَإِنْ قُلْتَ: كَانَ فِي الْقُدْرَةِ إِذَا نُزِّلَ جُمْلَةً أَنْ يَحْفَظَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفْعَةً
قُلْتُ لَيْسَ كُلُّ مُمْكِنٍ لَازِمَ الْوُقُوعِ وَأَيْضًا فِي الْقُرْآنِ أَجْوِبَةٌ عَنْ أَسْئِلَةٍ فَهُوَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ تَفَرُّقِ النُّزُولِ وَلِأَنَّ بَعْضَهُ مَنْسُوخٌ وَبَعْضَهُ نَاسِخٌ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا أُنْزِلَ مُفَرَّقًا
وَقَالَ ابْنُ فُورَكٍ: قِيلَ أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ جُمْلَةً لِأَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى نَبِيٍّ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ وَهُوَ مُوسَى وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ مُفَرَّقًا لِأَنَّهُ أُنْزِلَ غَيْرَ مَكْتُوبٍ عَلَى نَبِيٍّ أُمِّيٍّ وَقِيلَ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ لِأَجْلِهِ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَنَّ مِنْهُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَمِنْهُ مَا هُوَ جَوَابٌ لِمَنْ يَسْأَلُ عَنْ أُمُورٍ وَمِنْهُ مَا هُوَ إِنْكَارٌ لِمَا كَانَ انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute