للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ الْإِعْجَازُ حُجَّةُ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ وَتِلْكَ الْكُتُبُ لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَةً وَلَا كَانَتْ حُجَجَ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ بَلْ كَانَتْ دَعْوَتُهُمْ وَالْحُجَجُ غَيْرَهَا وَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا نَظِيرَ مَا مَضَى

وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ سُورَةً أَفْضَلُ مِنْ سُورَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعْتَدَّ قِرَاءَتَهَا كَقِرَاءَةِ أَضْعَافِهَا مِمَّا سِوَاهَا وَأَوْجَبَ بِهَا مِنَ الثَّوَابِ مَا لَمْ يُوجِبْ بِغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ بَلَغَ بِهَا هَذَا الْمِقْدَارَ لَا يَظْهَرُ لَنَا كَمَا يقال إن قوما أفضل من قوم وَشَهْرًا أَفْضَلُ مِنْ شَهْرٍ بِمَعْنَى أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ تَفْضُلُ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي غَيْرِهِ وَالذَّنَبَ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنَ الذَّنْبِ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَكَمَا يُقَالُ إِنَّ الْحَرَمَ أَفْضَلُ مِنَ الْحِلِّ لأنه يتأدى فيه من المناسك مالا يَتَأَدَّى فِي غَيْرِهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ تَكُونُ كَصَلَاةٍ مُضَاعَفَةٍ مِمَّا تُقَامُ فِي غَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

فصل: في أعظمية آية الكرسي

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِنَّمَا صَارَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمَ لِعِظَمِ مُقْتَضَاهَا فَإِنَّ الشَّيْءَ إِنَّمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ ذَاتِهِ وَمُقْتَضَاهُ وَمُتَعَلَّقَاتِهِ وَهَى فِي آيِ الْقُرْآنِ كَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي سُوَرِهِ إِلَّا أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ تَفْضُلُهَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا سُورَةٌ وَهَذِهِ آيَةٌ فَالسُّورَةُ أَعْظَمُ مِنَ الْآيَةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّحَدِّي بِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي لَمْ يُتَحَدَّ بِهَا

وَالثَّانِي: أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ اقْتَضَتِ التَّوْحِيدَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ اقْتَضَتِ التَّوْحِيدَ فِي خَمْسِينَ حَرْفًا فَظَهَرَتِ الْقُدْرَةُ فِي الْإِعْجَازِ بِوَضْعِ مَعْنًى مُعَبَّرٍ عَنْهُ مَكْتُوبٍ مَدَدُهُ السَّبْعَةُ الْأَبْحُرِ لَا يَنْفَدُ عَدَدُ حُرُوفِهِ خَمْسُونَ كَلِمَةً ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنْ مَعْنَى الْخَمْسِينَ كَلِمَةً خَمْسَةَ عَشَرَ كَلِمَةً وَذَلِكَ كُلُّهُ بَيَانٌ لِعِظَمِ الْقُدْرَةِ وَالِانْفِرَادِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُنَيِّرِ الْمَالِكِيُّ كَانَ جَدِّي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ اشْتَمَلَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ عَلَى مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>