للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأْتِيَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُؤَدِّيَةً عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي أُودِعَتْهُ حَتَّى تَبْسُطَ مَجْمُوعَهَا وَتَصِلَ مَقْطُوعَهَا وَتُظْهِرَ مَسْتُورَهَا فَتَقُولَ إِنْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ قَوْمٍ هُدْنَةٌ وَعَهْدٌ فَخِفْتَ مِنْهُمْ خِيَانَةً وَنَقْضًا فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ قَدْ نَقَضْتَ مَا شَرَطْتَهُ لَهُمْ وَآذِنْهُمْ بِالْحَرْبِ لِتَكُونَ أَنْتَ وَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِالنَّقْضِ على سواء وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الكهف سنين عددا} انْتَهَى

فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ قِرَاءَتِهِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ إِمْكَانِ تَصَوُّرِهِ وَرَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّرْجَمَةِ مَخْصُوصٌ بِالتِّلَاوَةِ فَأَمَّا تَرْجَمَتُهُ لِلْعَمَلِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى بَيَانِ المحكم منه والغريب المعنى بمقدار الضرورة مِنَ التَّوْحِيدِ وَأَرْكَانِ الْعِبَادَاتِ وَلَا يُتَعَرَّضَ لِمَا سِوَى ذَلِكَ وَيُؤْمَرَ مَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ بِتَعَلُّمِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْتُبْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَيْصَرَ إِلَّا بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ مُحْكَمَةٍ لِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ وَالتَّبَرِّي مِنَ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ لِسَانٍ إِلَى لِسَانٍ قَدْ تَنْقُصُ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْمُتَرْجَمِ عِنْدَهُ وَاحِدًا قَلَّ وُقُوعُ التَّقْصِيرِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَعَانِي إِذَا كَثُرَتْ وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضَرُورَةِ التَّبْلِيغِ أَوْ لِأَنَّ مَعْنَى تِلْكَ الْآيَةِ كَانَ عِنْدَهُمْ مُقَرَّرًا فِي كُتُبِهِمْ وَإِنْ خَالَفُوهُ

وَقَالَ الْكَوَاشِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ: أَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ بِشَرِيطَةٍ وَهَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْقَارِئُ الْمَعَانِيَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا شَيْئًا أَصْلًا قَالُوا وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ تَشْهَدُ أَنَّهَا إِجَازَةٌ كَلَا إِجَازَةٍ لِأَنَّ كَلَامَ الْعَرَبِ خُصُوصًا الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>