للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطَلَبًا لِلْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {عَنِ اليمين وعن الشمال قعيد} .

وَالْمُرَادُ "عَنِ الْيَمِينِ قَعِيدٌ" وَلَكِنْ حُذِفَ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ.

وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ كَالْآيَةِ الْوَاحِدَةِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ فَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُطْلَقُ كَالْمُقَيَّدِ.

قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالِاتِّحَادِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالذَّاتِ، وَأَمَّا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَالْعِبَارَاتُ فَمَحْسُوسٌ تَعَدُّدُهَا، وَفِيهَا الشَّيْءُ وَنَقِيضُهُ، كَالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ النَّقَائِضِ الَّتِي لَا يُوصَفُ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ بِأَنَّهُ اشتمل عَلَيْهَا.

وَالثَّانِي: كَإِطْلَاقِ صَوْمِ الْأَيَّامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَقُيِّدَتْ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وبالتفريق في صوم التمتع، فلما تجاذب الْأَصْلَ تَرَكْنَاهُ عَلَى إِطْلَاقِهِ.

هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، فَأَمَّا إِذَا حُكِمَ فِي شَيْءٍ بِأُمُورٍ لَمْ يُحْكَمْ فِي شَيْءٍ آخَرَ يَنْقُضُ تِلْكَ الْأُمُورَ وَسُكِتَ فِيهِ عَنْ بَعْضِهَا فَلَا يَقْتَضِي الْإِلْحَاقَ، كَالْأَمْرِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ، وَذَكَرَ فِي التَّيَمُّمِ عُضْوَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ دَلِيلٌ عَلَى مَسْحِهِمَا بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ.

وَمِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ وَالطَّعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي إِبْدَالِ الطَّعَامِ عَنِ الصِّيَامِ.

وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ في قوله تعالى: {وأمهات نسائكم وربائبكم} أَنَّ اللَّامَ مُبْهَمَةٌ، وَعَنَوْا بِذَلِكَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الرَّبَائِبِ خَاصَّةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>