وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تعملون} مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ"
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَنُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ- كَانُوا يَقُولُونَ: النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ بِعَفْوِ اللَّهِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ بِرَحْمَتِهِ وَانْقِسَامُ الْمَنَازِلِ وَالدَّرَجَاتِ بِالْأَعْمَالِ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَاءَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَدْلُولُهَا مُخْتَلِفٌ فَفِي الآية باء المقابلة وهي الداخلة على الأعراض وَفِي الْحَدِيثِ لِلسَّبَبِيَّةِ لِأَنَّ الْمُعْطِيَ بِعِوَضٍ قَدْ يُعْطِي مَجَّانًا وَأَمَّا الْمُسَبَّبُ فَلَا يُوجَدُ بِدُونِ السَّبَبِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ هَذَا الْجَوَابَ وَقَالَ الْبَاءُ فِي الْآيَةِ لِلسَّبَبِيَّةِ وَفِي الْحَدِيثِ لِلْعِوَضِ وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَنْجُوَ بِعَمَلِهِ" قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا: {فِي سِتَّةِ أيام} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ بَقِيَ لَمْ يُخْلَقْ فِيهِ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ من الأحاديث الصحاح أن الخلق ابتدأ يَوْمَ الْأَحَدِ وَخُلِقَ آدَمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْأَشْيَاءِ فَهَذَا يَسْتَقِيمُ مَعَ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَوَقَعَ في صحيح مسلم أن الخلق ابتدأ يَوْمَ السَّبْتِ فَهَذَا بِخِلَافِ الْآيَةِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ آدَمَ ثُمَّ يَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا بَيْنُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِأَنَّ آدَمَ حِينَئِذٍ لَمْ يكن فيما بينهما
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute