الرَّابِعُ: قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي إِنْزَالِ الْمُتَشَابِهِ مِمَّنْ أَرَادَ لِعِبَادِهِ الْبَيَانَ وَالْهُدَى؟ قُلْنَا: إِنْ كان مما يُمْكِنُ عِلْمُهُ فَلَهُ فَوَائِدُ:
مِنْهَا: لِيَحُثَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى النَّظَرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ بِغَوَامِضِهِ وَالْبَحْثِ عَنْ دَقَائِقِ مَعَانِيهِ فَإِنَّ اسْتِدْعَاءَ الْهِمَمِ لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ وَحَذَرًا مِمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} وَلِيَمْتَحِنَهُمْ وَيُثِيبَهُمْ كَمَا قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخلق ثم يعيده} الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فَنَبَّهَهُمْ عَلَى أَنَّ أَعْلَى الْمَنَازِلِ هُوَ الثَّوَابُ فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُحْكَمًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ لَسَقَطَتِ الْمِحْنَةُ وَبَطَلَ التَّفَاضُلُ وَاسْتَوَتْ مَنَازِلُ الْخَلْقِ وَلَمْ يَفْعَلِ اللَّهُ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ بَعْضَهُ مُحْكَمًا لِيَكُونَ أَصْلًا لِلرُّجُوعِ إِلَيْهِ وَبَعْضَهُ مُتَشَابِهًا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِخْرَاجِ وَرَدِّهِ إِلَى الْمُحْكَمِ لِيُسْتَحَقَّ بِذَلِكَ الثَّوَابُ الَّذِي هُوَ الْغَرَضُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}
وَمِنْهَا: إِظْهَارُ فَضْلِ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ وَيَسْتَدْعِيهِ عِلْمُهُ إِلَى الْمَزِيدِ فِي الطَّلَبِ فِي تَحْصِيلِهِ لِيَحْصُلَ لَهُ دَرَجَةُ الْفَضْلِ وَالْأَنْفُسُ الشَّرِيفَةُ تَتَشَوَّفُ لطلب العلم وتحصيله
وأما إن كان مما لَا يُمْكِنُ عِلْمُهُ فَلَهُ فَوَائِدُ:
مِنْهَا: إِنْزَالُهُ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا بِالْوَقْفِ فِيهِ وَالتَّعَبُّدِ بِالِاشْتِغَالِ مِنْ جِهَةِ التِّلَاوَةِ وَقَضَاءِ فَرْضِهَا وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْمُرَادِ الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ اعْتِبَارًا بِتِلَاوَةِ الْمَنْسُوخِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute