وَأَمَّا الْعَيْنُ فِي الْأَصْلِ فَهِيَ صِفَةٌ وَمَصْدَرٌ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ ثُمَّ عُبِّرَ عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ بِالْعَيْنِ قَالَ: وَحِينَئِذٍ فَإِضَافَتُهَا لِلْبَارِئِ فِي قوله: {ولتصنع على عيني} حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ كَمَا تَوَهَّمَ أَكْثَرُ النَّاسِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَالْإِدْرَاكِ وَإِنَّمَا الْمَجَازُ فِي تَسْمِيَةِ الْعُضْوِ بِهَا وَكُلُّ شَيْءٍ يُوهِمُ الْكُفْرَ وَالتَّجْسِيمَ فَلَا يُضَافُ إِلَى الْبَارِئِ سُبْحَانَهُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَمِنْ فَوَائِدِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسْأَلَ عَنِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ قَالَ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} بحرف على وقال: {تجري بأعيننا} {واصنع الفلك بأعيننا} وَمَا الْفَرْقُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى وَرَدَتْ فِي إِظْهَارِ أَمْرٍ كَانَ خَفِيًّا وَإِبْدَاءِ مَا كَانَ مَكْنُونًا فَإِنَّ الْأَطْفَالَ إِذْ ذَاكَ كَانُوا يغذون ويصنعون شرا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصْنَعَ مُوسَى وَيُغَذَّى وَيُرَبَّى عَلَى جَلِيِّ أَمْنٍ وَظُهُورِ أَمْرٍ لَا تَحْتَ خَوْفٍ وَاسْتِسْرَارٍ دَخَلَتْ عَلَى فِي اللَّفْظِ تَنْبِيهًا عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّهَا تُعْطِي مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ وَالِاسْتِعْلَاءُ ظُهُورٌ وَإِبْدَاءٌ فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: وَلِتُصْنَعَ عَلَى أَمْنٍ لَا تَحْتَ خَوْفٍ وَذَكَرَ الْعَيْنَ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الرِّعَايَةِ وَالْكَلَأِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} {واصنع الفلك بأعيننا} فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ فِي رِعَايَةٍ مِنَّا وَحِفْظٍ وَلَا يُرِيدُ إِبْدَاءَ شَيْءٍ وَلَا إِظْهَارَهُ بَعْدَ كَتْمٍ فَلَمْ يَحْتَجِ الْكَلَامُ إِلَّا مَعْنَى عَلَى وَلَمْ يَتَكَلَّمِ السُّهَيْلِيُّ عَلَى حِكْمَةِ الْإِفْرَادِ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَالْجَمْعِ فِي الْبَاقِي وَهُوَ سِرٌّ لَطِيفٌ وَهُوَ إِظْهَارُ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي خُصَّ بِهِ موسى في قوله: {واصطنعتك لنفسي}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute