للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ أَشْتَاتِهَا حَتَّى تَنْتَظِمَ وَتَتَّسِقَ أَمْرٌ تَعْجِزُ عَنْهُ قُوَى الْبَشَرِ وَلَا تَبْلُغُهُ قُدْرَتُهُمْ فَانْقَطَعَ الْخَلْقُ دُونَهُ وَعَجَزُوا عَنْ مُعَارَضَتِهِ بِمِثْلِهِ وَمُنَاقَضَتِهِ في شكله ثم صار المعاندون له ممن كفر به وأنكره يَقُولُونَ مَرَّةً إِنَّهُ شِعْرٌ لَمَّا رَأَوْهُ مَنْظُومًا وَمَرَّةً إِنَّهُ سِحْرٌ لَمَّا رَأَوْهُ مَعْجُوزًا عَنْهُ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانُوا يَجِدُونَ لَهُ وَقْعًا فِي الْقَلْبِ وَقَرْعًا فِي النَّفْسِ يُرِيبُهُمْ وَيُحَيِّرُهُمْ فَلَمْ يَتَمَالَكُوا أَنْ يَعْتَرِفُوا بِهِ نَوْعًا مِنَ الِاعْتِرَافِ وَلِذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً وَكَانُوا مَرَّةً لِجَهْلِهِمْ وَحَيْرَتِهِمْ يقولون: {وقالوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأصيلا} مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ صَاحِبَهُمْ أُمِّيٌّ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُمْلِي أَوْ يَكْتُبُ شَيْئًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَوْجَبَهَا الْعِنَادُ وَالْجَهْلُ وَالْعَجْزُ وقد حكى الله عَنْ بَعْضِ مَرَدَتِهِمْ -وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ- أَنَّهُ لَمَّا طَالَ فِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ وَكَثُرَ ضَجَرُهُ مِنْهُ وَضَرَبَ لَهُ الْأَخْمَاسَ مِنْ رَأْيِهِ فِي الْأَسْدَاسِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ من قوله: {ن هذا إلا قول البشر} عِنَادًا وَجَهْلًا بِهِ وَذَهَابًا عَنِ الْحُجَّةِ وَانْقِطَاعًا دُونَهَا

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَمُودَ الْبَلَاغَةِ الَّتِي تجتمعا لَهَا هَذِهِ الصِّفَاتُ هُوَ وَضْعُ كُلِّ نَوْعٍ من الألفاظ

<<  <  ج: ص:  >  >>