كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْمُكَرَّرِ وَثُبُوتُ كَثِيرٍ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّا لَوْ لَمْ نَشْتَرِطِ التَّوَاتُرَ فِي الْمَحَلِّ جَازَ أَلَّا يَتَوَاتَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَرِّرَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} و {ويل يومئذ للمكذبين}
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَوَاتَرْ بَعْضُ الْقُرْآنِ بِحَسْبِ الْمَحَلِّ جَازَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ الْبَعْضِ فِي الْمَوْضِعِ بِنَقْلِ الْآحَادِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ: ذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إِلَى إِثْبَاتِ قُرْآنٍ حُكْمًا لَا عِلْمًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ وَكَرِهَ ذَلِكَ أَهْلُ الْحَقِّ وَامْتَنَعُوا مِنْهُ
وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: إِنَّهُ يَسُوغُ إِعْمَالُ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إِثْبَاتِ قِرَاءَةٍ وَأَوْجُهٍ وَأَحْرُفٍ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْأَوْجَهُ صَوَابًا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أن النبي صلى الله عليه وملم قَرَأَهَا بِخِلَافِ مُوجَبِ رَأْيِ الْقِيَاسِيِّينَ وَاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ وأبى ذلك أهل الحق وأنكروه وخطأوا مَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَصَارَ إِلَيْهِ
قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَنْهُ طَعْنَ الطَّاعِنِينَ وَاخْتِلَافَ الضَّالِّينَ وَلَيْسَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعِلْمِ بِصِحَّةِ النَّقْلِ وَالْقَطْعِ عَلَى فُنُونِهِ بِأَلَّا يُخَالِفَ فِيهِ مُخَالِفٌ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَجِيئُهُ عَنْ قَوْمٍ بِهِمْ ثَبَتَ التَّوَاتُرُ وَتَقُومُ الْحُجَّةُ سَوَاءٌ اتُّفِقَ عَلَى نَقْلِهِمْ أَوِ اخْتُلِفَ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ النَّقْلُ إِذَا ظَهَرَ وَاسْتَفَاضَ وَاتُّفِقَ عَلَيْهِ إِذَا حَدَثَ خِلَافٌ فِي صِحَّتِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ وَبِذَلِكَ يَسْقُطُ اعْتِرَاضُ الْمُلْحِدِينَ فِي الْقُرْآنِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ نَقْلِ الْقُرْآنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute