للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَلَّا يَتَنَافَيَا اجْتِمَاعًا فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْإِعْجَازِ وَالْفَصَاحَةِ وَأَحْفَظُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا أَيْضًا ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ مُقْتَضِيَةً لِبُطْلَانِ الْمَعْنَى الْآخَرِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ لِلْإِرَادَةِ

الثَّانِي: أَلَّا يَقْتَضِيَ بُطْلَانَهُ وَهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مُرَادًا وَلَا يُحْكَمُ بِسُقُوطِ الْمَعْنَى الْآخَرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ لِأَنَّ مُوجِبَ اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا فَاسْتَوَيَا فِي حُكْمِهِ وَإِنْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا تَرَجَّحَ بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ أَثْبَتُ حُكْمًا مِنَ الْآخَرِ لِقُوَّتِهِ بِمُظَاهَرَةِ الدَّلِيلِ الْآخَرِ

فَهَذَا أَصْلٌ نَافِعٌ مُعْتَبَرٌ فِي وُجُوهِ التَّفْسِيرِ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَنْزِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ:

أَحَدُهُمَا: تَفْسِيرُ اللَّفْظِ لِاحْتِيَاجِ الْمُفَسِّرِ لَهُ إِلَى التَّبَحُّرِ فِي مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ

الثَّانِي: حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ لِاحْتِيَاجِ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ: عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَالتَّبَحُّرِ فِيهِمَا وَمِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ مَا يُدْرَكُ بِهِ حُدُودُ الْأَشْيَاءِ وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالظَّاهِرُ وَالْمُضْمَرُ وَالْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ وَالْمُؤَوَّلُ وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَمِنْ عُلُومِ الْفُرُوعِ مَا يُدْرَكُ بِهِ اسْتِنْبَاطًا وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى هَذَا أَقَلُّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ يَحْتَمِلُ كَذَا وَلَا يَجْزِمُ إِلَّا فِي حُكْمٍ اضْطُرَّ إِلَى الْفَتْوَى بِهِ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ فَيَحْرُمُ خِلَافُهُ مَعَ تَجْوِيزِ خِلَافِهِ عِنْدَ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>