للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالتجارة. والميل إلى الوحدة في غار حراء كان قبيل البعثة، ولفترة محدودة، وليس في مرحلة الصبا التي مارس فيها الرعي، وعصمه الله من ممارسة اللهو الذي عرفه مجتمعه في زمانه، مثل الاستماع إلى الغناء (١) . ثم إن بودلي كعادته يقول كلاماً ثم ينقضه أحياناً في الصفحة نفسها، مثل ما حدث في هذا الزعم. فهو يقول مرة: إن محمداً كان ميالاً إلى معاشرة الناس (٢) ، ويقول مرة أخرى: "فإن نفسه لم تمل إلى فكرة اعتكاف الرجال وعزلتهم.." (٣) .

وهنا التناقض، كيف يكون ميالاً إلى معاشرة الناس وعدم الميل للاعتكاف والاعتزال وميالاً إلى الوحدة في أغلب أوقاته؟!

الثابت في مصادر السيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ميالاً إلى معاشرة الناس. وكان يحث على هذا، كما في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" (٤) . وفي مثل قوله: "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس" (٥) . وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها نموذج عملي لمعاشرة كل من حوله من الناس صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، بل ألفته


(١) الحاكم: المستدرك (٤/٢٥٤) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٢) الرسول، ص ٣٨.
(٣) المرجع نفسه، ص ٨٢.
(٤) أحمد: المسند (٢/ ٤٣) ، وإسناده صحيح كما قال محققو الموسوعة الحديثية (٩/ح ٥٠٢٢) . ابن ماجه: السنن (٢/١٣٣٨) ، ورواه غيرهما.
(٥) السيوطي: الجامع الصغير (٢/١٨٤) ، ط. الحلبي، القاهرة، ١٣٥٨هـ/١٩٣٩م. وقال السيوطي: "رواه الدارقطني، وهو صحيح ".

<<  <   >  >>