إننا لم نقل، عندما وصفنا في الفصول السابقة صنفين من (مرآة الحرمان)، إن ما وصفنا هو كل ما تنتجه ترسانة الاستعمار لتحطيم الأفكار.
إننا لو فكرنا هكذا فسوف نكون قد أسأنا الظن بالاستعمار، وبإمكانياته المتعددة المتنوعة لمواجهة الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة، بل إن كل مناسبة جديدة تكشف لنا عن وسائل جديدة، وعن خطة مجددة، وعن شباك محدثة كأن الاستعمار لا يريد أن يترك لخصومه أن يدخلوا معركة اليوم، بما تزودوا به لمعركة الأمس، فوسائله تتنوع حسب الظروف، وطبقاً للمناسبات، فهو لا يحافظ إلا على المبادئ الأساسية التي يطبقها في كل مناسبة وفي أية ظروف.
وعليه فتكون محاولة جنونية، لو هدفنا في هذا العرض إلى أن نضع قائمة إحصائية للوسائل التي يستخدمها، وللخطط التي يطبقها في الصراع الفكري لقد أردنا فقط تزويد القارئ بمعلوممات كافية عن المبادئ ذاتها. ولو استطعنا أداءها له بالطريقة النظرية البحتة، أي دون ذكر تفاصيل خاصة لفعلنا، ولكننا نطرق موضوعاً جديداً كل الجدة، لا يمكن معه تناول الجانب النظري منه منفصلاً عن الواقع الذي يدل عليه، وإنه لا يمكن أن نجرد حقائق الصراع الفكري في البلاد المستعمرة دون أن نذكر الواقع الذي منه جردناها، ولا يمكن أن نستخلص المبادئ دون أن نشير إلى الوقائع التي استخلصناها منها، مع