إننا بيّنا في الفصول السابقة كيف يركب الاختصاصيون المشرفون على الصراع الفكري أجهزة خاصة لتحطيم الأفكار، كما يركب العلماء المختصون في علم المواد المشعة أجهزة لتحطيم الذرة.
وقد تعرضنا ونحن في الطريق إلى حالات كشفت لنا عن بعض أسرار الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، وعن الشروط الاجتماعية- النفسية التي يجري على مقتضاها هذا الصراع.
ولكن حالات أخرى بقيت، لاشك، في الظلام، إما لأننا نجهلها تماماً، على الرغم مما يكون فيها من الدلالة والفائدة، وإما لأننا أغفلناها في الفصول السابقة بمقتضى الترتيب الذي يفرضه الموضوع، بينما لاشك بأننا لو تناولناها، وأمكن ذلك، لكشفت لنا عن حقائق أخرى تدل على قوة جهاز الاستعمار في هذا الميدان وعلى إحكام خططه، وربما دل أيضاً بعضها أحياناً، بصورة غير منتظرة على ضعف غير متوقع في هذه الخطط، يشعرنا بمصداق الآية الكريمة:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}[النساء: ٤/ ٧٦].
فعندما نتناول فصلاً من الصراع الفكري، تعترضنا حالات تدل فعلاً على أدق قوة الاستعمار في الوسائل يتخللها أحياناً ضعف في التفكير، يجب أن نعيره أيضاً بعض الاهتمام، كما نهتم بالعناصر التي تدل على قوته.