للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعلى سبيل المثال ليتصور القارئ أنه دعي يوماً ليحاضر، وأنه اختار إحدى مشكلات البلاد الإفريقية الآسيوية موضوعاً لمحاضرته.

فمن المعلوم على ضوء ما قدمنا أن موضوعاً كهذا جدير بأن يثير اهتمام مراصد الاستعمار، فوق أي موضوع آخر، لأنه يتصل بالمشكلات التي تناولها، مباشرة أو ضمناً مؤتمر باندونج، أي بالمشكلات التي تكوّن أهم نشاط سياسي في منتصف القرن العشرين، وأهم مركز للتفكير الاجتماعي في عصرنا.

وعليه فنكون من البسطاء إن لم نقدر مبدئياً أن المراصد المختصة ستكون، بصورة أو بأخرى، على أهبة القيام بمهمتها، وهذا من بديهيات الصراع الفكري في البلاد المتخلفة، ثم نجد فعلاً في صحافة اليوم الذي يلي المحاضرة تعليقاً طويلاً على موضوعها، دون أن يذكر اسم المحاضر مرة واحدة، أو يذكر أنه تعليق على محاضرة معينة، وإنما يقوم صاحب هذا التعليق بدور تمثيلي، شاهدنا أدواراً مثله في الطريق، خلال التجربة الطويلة، فنراه يفور غضباً على موضوع المحاضرة، فيستخف صاحبها الذي يتناول موضوعاً سخيفاً كهذا إلخ ... ثم يتنازل ويعطف على هذا الغبي، فيتبرع عليه بالحقيقة التي لم يهتد إليها في محاضرته غير الموفقة، فهذا دور كامل بجميع تفاصيله من الأدوار التي يخصص لها الاستعمار بعض الممثلين.

فلو كان ليد الاستعمار رائحة لاكتشفنا بعض الحقائق الخاصة بالصراع الفكري دون أي جهد لعقولنا، ولاكتشفنا مثلاً أن الظروف التي أحاطت بمحاضرة كهذه كانت كلها تعبق بهذه الرائحة، منذ توجيه الدعوة إلى المحاضر، إلى ظهور التعليق الصحافي الغريب على المحاضرة نفسها ...

وليس في هذا كله أية غرابة، إنه الصراع الفكري في البلاد المستعمرة ...

ومهما يكن من أمر، فإن غرضنا في هذا الفصل الوصول، بقدر الإمكان، إلى بعض الحقائق التي لم نصل إليها في الفصول السابقة.

<<  <   >  >>