إن الاعتبارات التي تقدمت في الفصل السابق. تبين كيف أن الغموض يكوّن العنصر الأساسي الذي يميز الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، وكيف أن الاستعمار يبذل جهوده في إحاطة هذا الصراع بالغموض، سواء بالنسبة لابن البلد الذي يكافح الاستعمار في جبهة وطنية تساند كفاحه، وإن كانت تفرض عليه، في الوقت نفسه رقابة لا تتفق دائماً مع ضرورات الكفاح، كما سبق أن بينا، أم بالنسبة للمسلم الذي دخل المعركة ضد الاستعمار في بلد مستقل أو شبه مستقل، وبالتالي بالنسبة للكاتب التقدمي الذي يسهم أيضاً، في الخارج، في هذا الصراع في صورته السياسية كما ذكرنا آنفاً.
ولا غرابة إذا كان هذا الكاتب التقدمي، وذلك المسلم المكافح في بلد مستقل أو شبه مستقل، يجهلان هذه الأشياء فإن ابن البلد المستعمرَ نفسه يجهلها.
ومن هنا كان علينا أن نخص التجربة الشخصية في هذا الميدان بقيمة أكبر، مما يمكن أن تستحقه في ميدان آخر، لأنها سوف تنبه الشباب المسلم لأخطار الطريق ومفاجآتها في اللحظات التي سيدخل فيها حلبة الصراع الفكري، الذي سيقرر مصير العالم أجمع، ومصير العالم الإسلامي العربي بوجه خاص.
إن الغموض الذي يريد الاستعمار أن يحيط به الصراع الفكري، لا تبدده الاعتبارات العامة، إن لم تستمد برهاناً من تفاصيل واقعية، أعني من صميم تجربة