هناك أشياء لا يجدي الحديث عنها، إن لم يكن مستمداً برهانه من تجربة شخصية تضيء الموضوع من الداخل بضوئها الخاص.
والصراع الفكري في البلاد المستعمَرة واحد من تلك الأشياء، فليس للقارئ إذن أن يتعجب، إن رأى كاتباً يطرق هذا الموضوع من زاوية تحددها له تجربته الخاصة، بما في هذه الكلمة من إشارة إلى بعض التفاصيل من حياته الشخصية، ولا مجال هنا لذكر علة هذا الموقف للكاتب في البلاد المستعمرة، لأن الأمر يستدرجنا إلى الحديث الطويل عن أوضاع البلاد ومقوماتها الفكرية، وربما سوف يأتي هذا الكلام أو بعضه في محله خلال هذه الدراسة.
فيكفينا أن نقول في هذا المدخل إن الكاتب مضطر إلى هذا الموقف بطبيعة الموضوع، خصوصاً إذا ما اضطرته الظروف القاسية للدفاع عن أفكاره في فترة معينة، عندما يمر الصراع الفكري بأزمة خاصة كما يحدث في البلاد المستعمرة، حيث تجهل غالباً أمر الصراع الفكري بينما هو يدور في أرجائها، ومن أجلها.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نرى أن الكاتب التقدمي، في الخارج، يجهل هو الآخر هذا الصراع، فنراه مثلاً يشارك في المعركة ضد الاستعمار بجانب المستعمَرين، ولكنه يشارك فيها ما دامت في النطاق السياسي، وسرعان ما ينعزل عنها حينما تأخذ طابع الصراع الفكري كأنما يضيق صدره منها في طابعها الجديد، أو أنه بعبارة أخرى، يرى أن من حق الرجل المستعمَر أن يدافع عن