نفسه ما دام دفاعه في الحقل السياسي، ولكنه حينما ينتقل دفاعه إلى الميدان الفكري، يرى أن هذا الرجل قد دخل مكاناً لا حق له في دخوله.
ومن الممكن أن يفسر هذا الوضع بالجهل الذي يحيط بالصراع الفكري في البلاد المستعمرة سواء من ناحية أهل البلاد، أو من ناحية الكتاب التقدميين في الخارج، ولكن التجربة تدل على أن هذا الجهل قد يكون مصطنعاً، بصورة أو بأخرى، مما يجعل القيادة السياسية في البلاد المستعمرة تتخذ من معركة الأفكار - ولأسباب معينة- موقفاً حيادياً أو سلبياً، وأحياناً معادياً.
كما يتخذ الكاتب التقدمي - في الخارج ولأسباب أخرى- الموقف نفسه، فتراه وهو يخوض المعركة ضد الاستعمار إذا به كأنه ينحاز إلى صفوفه، حينما تتخذ هذه المعركة صبغة فكرية.
ولو حللنا هذا الموقف الغريب وجدنا أن هذا الكاتب التقدمي، إما أنه يخضع لاعتبارات ملقنة أو لعقد موروثة، وهو في كلتا الحالتين يصبح موقفه إزاء الصراع الفكري في البلاد المستعمرة موقف العداء أو الحياد، فحينما يقدم كاتب من هذه البلاد كتاباً للطبع، ترى الكاتب التقدمي مثلاً يعلن عنه في صحيفته بثلاثة أسطر أو أربعة ((كتاب اتخذ صاحبه موقفاً يناقض موقف الأحزاب الوطنية)).
فإذا ما تصورت أن هذه الصحيفة توزع على نطاق واسع في البلاد المستعمرة، التي تدور فيها المعركة الفكرية، فسوف تدرك مدى تأثير هذه الجملة الغامضة على مصير الكتاب، خصوصاً إذا ما تابعت الصحيفة خطتها بعد صدوره، فنشرت مثلاً قائمة لـ ((الكتب القيمة التي صدرت خلال الشهر)) وتناست أن تذكره من بينها.
وهكذا نشاهد موافقات غريبة بين بعض مواقف الكتاب التقدميين