وقعت فعلاً في ظروف معينة، فهذه التجربة تقضي حينما نريد أن نصور خطة الاستعمار في هذا السبيل، أن نلاحظ مبدأين: مبدأ الغموض ومبدأ الفعالية.
فالمبدأ الأول يقضي بألا يكشف الاستعمار النقاب عن وجهه في المعركة، إلا إذا لم تترك له الظروف حيلة، فهو دائماً أو غالباً يستخدم قناع القابلية للاستعمار.
والمبدأ الثاني ناتج عن الأول في حيز التطبيق، إذ أن هدف الاستعمار لا يتعلق في الأساس بذات شخص معين، ولكن بأفكار معينة يريد تحطيمها أو كفّها، حتى لا تؤدي مفعولها في توجيه الطاقات الاجتماعية في البلاد المستعمَرة.
وهذا يعني أن الاستعمار لا يبغي حياة المكافح في ذاتها، فهو لا يلجأ إلى النَّيل منها، إلا إذا اضطرته الظروف إلى ذلك، بل لعلنا نراه في بعض الحالات يشعر بالخيبة والخسارة، إذا مات المكافح لأن موته أحياناً حياة لأفكاره، ولقد شعر بهذا الشعور، دون أي شك عندما قضى نحبه، ذلك المكافح (بن باديس) الذي قاد الفكرة الإصلاحية في الجزائر طيلة سنين عديدة. ذلك أن موته قد حرر نهائياً الفكرة الإصلاحية، التي كانت تشبه (فكرة متجسدة)، فأصبحت بموت صاحبها (فكرة مجردة) لا يجد الاستعمار إليها سبيلاً.
ومهما يكن من أمر، فإن المبدأ الثاني يقتضي من الاستعمار، وبوجه التفصيل، عزل المكافح في حلبة الصراع الفكري، من جانبين:
أولاً: أن ينفر من أفكاره الرأي العام في بلاده، بجميع الوسائل الصالحة لذلك.
ثانيا: أن ينفره هو نفسه، من القضية التي يكافح من أجلها بأن يشعره بعبث كفاحه.