للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا بالاستعمار يبدي ارتياحه لمثل هذه المشاريع حينما يأتيه نبؤها، إن لم نقل إنه أوحى من بعيد بفكرتها، لأنها سوف تصرف الأموال والأقلام والأفكار عن الأشياء الجدية.

كما نشعر أيضاً أنه سوف يبدي قلقه، لو أن أحداً انفلت من تأثير سحره، وحاول أن يقول إن المشكلة ليست في الدفاع عن الإسلام، الذي يجد في جوهره حصانته من عطاء الله إليه، ولكن في تعليم المسلمين كيفية الدفاع عن أنفسهم بما في الإسلام من وسائل الدفاع.

فالاستعمار يغضب حينما يتوقع بأن المشكلة سوف توضع هكذا، إذ بذلك سوف يفلت من يده زمام الأمور، وأن الناس سوف ينتهون من الحديث عن عورته، هل هو امرأة أم رجل، وأن القضية سوف تخرج من عالم الميتافيزيقا والظلام لتدخل عالم الجد، وتصبح قضية مطروحة لعلم النفس والاجتماع، لتدرس في ضوئها الشروط التي تشجع الاستعمار أو تنمي القابلية للاستعمار، وها نحن أولاء في صميم موضوع هذا الفصل.

إنه لمن ترف القول إذا قلنا إن كل ما يحدث اضطراباً في خطة الاستعمار المطبقة، أو يحدث أثراً يناقض السلوك الشرطي، الذي أصبحت أفكارنا وأفعالنا خاضعة له، بمقتضى تلك الخطة، قد يصبح موضع كل اهتهام من طرف الاستعمار.

وإنني لا أشك في أن ما كتبته في محاولة سابقة عن التجربة التي تتعلق بالعروة الوثقى، لكي أطلع بعض الطلبة المتصلين بي على أسلوب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة قد بلغ الدوائر المختصة، إذ تناولته الأيدي منذ سنتين داخل الجمهورية العربية المتحدة وخارجها، حتى إن بعض الطلبة وزعوا منه عدداً من النسخ طبعوها على حسابهم بالآلة الكاتبة الكبيرة (١).


(١) نشير إلى التوزيع الذي قام به بعض أبنائي الطلبة بليبيا.

<<  <   >  >>