كون المبدل منه قصد أولًا؛ لأن البدل لا بد أن يكون مقصودًا كما عرفت في حد البدل، فالمبدل منه إن لم يكن مقصودًا ألبتة, وإنما سبق اللسان إليه, فهو بدل الغلط أي: بدل سببه الغلط؛ لأنه بدل عن اللفظ الذي هو غلط لا أنه نفسه غلط، وإن كان مقصودًا فإن تبين بعد ذكره فساد قصده فبدل نسيان أي: بدل شيء ذكر نسيانًا, وقد ظهر أن الغلط متعلق باللسان والنسيان متعلق بالجنان، والناظم وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما فسموا النوعين بدل غلط وإن كان قصد كل واحد من المبدل منه والبدل صحيحًا فبدل الإضراب ويسمى أيضًا بدل البداء. ثم أشار إلى أمثلة الأنواع الأربعة على الترتيب بقوله:"كزره خالدًا وقبله اليدا واعرفه حقه وخذ نبلا مدى" فخالدًا بدل كل من كل، واليدا بدل بعض، وحقه بدل اشتمال، ومدى يحتمل الأقسام الثلاثة المذكورة وذلك باختلاف التقادير، فإن النبل اسم جمع للسهم، والمدى جمع مدية وهي السكين, فإن كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى فسبق لسانه إلى النبل فبدل غلط، وإن كان أراد الأمر بأخذ النبل ثم بان له فساد تلك الإرادة وأن الصواب الأمر بأخذ المدى فبدل نسيان، وإن كان أراد الأول ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى وجعل الأول في حكم المسكوت عنه فبدل إضراب وبداء, والأحسن أن يؤتى فيهن ببل.
ــ
لغلط بمعنى بدل الغلط ونائب فاعله ضمير يعود للحكم المفهوم من السياق أي: سلب ببدل الغلط الحكم عن الأول, وأثبت للثاني وجرى على هذا المرادي. ويصح رجوع الضمير للغلط بمعنى الخطأ أي: رفع بهذا البدل الغلط في نسبة الحكم للأول. والصفة على الاحتمال الأول جارية على غير ما هي له بخلافها على الثاني, والأقرب عليه أن الغلط مبتدأ وسلب خبره فتأمل.
قوله:"لأن البدل إلخ" علة لمحذوف أي: لا من كون البدل مقصودًا أولًا؛ لأن البدل إلخ. قوله:"أي: بدل سببه الغلط" أي: بذكر الأول فالإضافة في بدل الغلط من إضافة المسبب إلى السبب وإن كانت في بدل الكل وبدل البعض للبيان, وقوله: لا أنه نفسه غلط أي: كما يتوهم من قولهم بدل الكل وبدل البعض. قوله:"بدل البداء" بفتح الموحدة والدال المهملة مع المد أي: الظهور سمي بذلك؛ لأن المتكلم بدا له ذكره بعد ذكر الأول قصدًا. قوله:"اليدا" بدل بعض من الضمير والضمير الواجب في بدل البعض مقدر أي: اليد منه أو الأصل يده, ثم نابت أل عن الضمير على القولين المتقدمين. قوله:"وذلك" أي: احتمال الأقسام الثلاثة. قوله:"فإن النبل إلخ" محط بيان التقادير المختلفة قوله: فإن كان المتكلم إلخ, وإنما قدم قوله: فإن النبل إلخ, لتوقف اختلاف التقادير على تغاير النبل والمدى. قوله:"جمع مدية" بضم الميم وقد تكسر نقله شيخنا عن الشارح, والظاهر أن جمع مكسورة الميم بالكسر. قوله:"وهي السكين" قيد غيره بالعظيمة. قوله:"والأحسن أن يؤتى فيهن" أي: في أوجه المثال المتقدمة ببل؛ لئلا يتوهم أن المتكلم أراد الصفة أي: نبلًا حادا كما يقال رأيت رجلًا حمارًا أي: بليدًا كما في التصريح ومعلوم أنه إذا أتى فيهن